شعرة معاوية بين تركيا والولايات المتحدة

عبد القادر عبد اللي
الخميس   2016/02/11
تقول الولايات المتحدة إن هناك فرقاً بين التنظيمين، ولكنها في الوقت نفسه تقيم علاقة مع كليهما (أ ف ب)
في حادثة شبه نادرة، ولكنها غير مستغربة، استدعت الخارجية التركية السفير الأميركي لديها، لتبلغه احتجاجها على تصريح الناطق الرسمي الأميركي بعدم اعتباره حزب "الاتحاد الديموقراطي" (PYD) منظمة إرهابية. وتركيا تعتبر "الاتحاد الديموقراطي" الفرع السوري من حزب "العمال الكردستاني" المدرج على قوائم الإرهاب الأوروبية والأميركية، مثله مثل حزب "الحياة الحرة الكردستاني" (PJAK) في إيران.

لا شك بأن الولايات المتحدة الأميركية ودول الإتحاد الأوروبي قد أدرجت اسم حزب "العمال الكردستاني" (PKK) على قوائم الإرهاب لديها، مجاملة للحليف التركي القوي في المنطقة، أو للحليف الذي كان ينفذ ما يُملى عليه دون أي اعتراض. ولأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تعرف بأن حزب "العمال الكردستاني" لم ولن يشكل عليها أي تهديد، فما الذي يجعلها تدرجه في قوائمها سوى الحليف التركي؟

ارتاحت الولايات المتحدة وأوروبا من هذه المشكلة بعد الإعلان في تركيا عما سمي "مرحلة الحل" عام 2005، فلا يمكن لتركيا أن تحاسب أو تعاتب هذه الأطراف على علاقتها مع حزب "العمال الكردستاني"، وهي نفسها تقيم هذه العلاقة، وتفاوض هذا الحزب، ويجتمع كبار المسؤولين الأتراك مع زعيمه عبد الله أوجلان وإن كانت تلك الاجتماعات تجري بشكل غير ندي، فالرجل محكوم بالسجن مدى الحياة، ويقابل مسؤولين في الدولة التي هو مسجون فيها، ويعتبرها مغتصبة لحقوق شعبه.

دخول "الدولة الإسلامية" على خط اللعب السياسية في المنطقة قلب كثيراً من المفاهيم والعلاقات، وبات هذا التنظيم المشجب الذي يُعلق عليه كل ما يخطر بالبال من سياسات، وتطبيق ما تريده الدول من تهديدات. فعندما تختلف دولتان فيما بينهما، تتهم إحداهما الأخرى بالعلاقة مع "داعش"، وهذا الاتهام اليوم تتبادله دول المنطقة، وحتى دول العالم التي لها مصالح في المنطقة. وليس هناك طرف مستثنى من هذه التهمة بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. والأكثر من هذا، أن التنظيم بات وسيلة لتغيير التحالفات في المنطقة، فاسم "داعش" يقدم ذريعة للولايات المتحدة الأميركية في تقاربها مع إيران، وتقاربها مع أطراف أخرى مثل حزب "العمال الكردستاني".

ثمة كذبة يكذبها الطرفان الرسميان التركي والأميركي براحة، وهي استخدام اسم (PYD) في العلاقة بين الولايات المتحدة وحزب "العمال الكردستاني"، والأدلة كثيرة في الصحف التركية والأميركية على حد سواء. والأدلة ليست كشفاً لما هو مستور، بل إن بعضها يحمل طابعاً رسمياً. فمثلاً أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن دعمها للحكومة التركية في الحرب على حزب "العمال الكردستاني" الدائرة حالياً جنوب شرقي الأناضول (كردستان تركيا)، وشمالي العراق (كردستان العراق). ولا يترك المسؤولون الأميركيون مناسبة يلتقون بها مع نظرائهم الأتراك إلا ويعيدون هذا التصريح، وتنشره الصحف كافة. ولكن الولايات المتحدة في الوقت ذاته طالبت تركيا بعدم ضرب المواقع القيادية لهذا الحزب شمالي العراق، ولم تجد حرجاً في الإفصاح عن السبب: وجود خبراء عسكريين أميركيين في تلك المواقع.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فعندما زار ممثل الرئيس الأميركي الخاص في "التحالف الدولي لمحاربة داعش" بريت ماكغورك، بلدة عين العرب "كوباني"، مؤخراً، التقى أحد القيادي في حزب "العمال الكردستاني" بولاط جان، على أنه مسؤول في "الإتحاد الديموقراطي"، والتقط معه الصور وهو يقدم له درعاً تذكارياً.

الولايات المتحدة تقول إن "الاتحاد الديموقراطي" شريكنا في الحرب على "داعش"، وفي الوقت ذاته، يصرح أحد أبرز قادة حزب "العمال الكردستاني" جميل بايق (بايك): "الولايات المتحدة شريكتنا في الحرب على الإرهاب". تقول الولايات المتحدة إن هناك فرقاً بين التنظيمين، ولكنها في الوقت نفسه تقيم علاقة مع كليهما.

وتركيا أيضاً تساير في هذه الكذبة، فلم تتهم الولايات المتحدة حتى الآن رسمياً بأنها تقيم علاقة مع حزب "العمال الكردستاني"، وتكتفي بالقول إن علاقتها مع جناحه السوري "الاتحاد الديموقراطي" فقط.

لم تعد الولايات المتحدة تجد حرجاً في الإعلان عن العلاقة بينها وبين "العمال الكردستاني"، وهو ما يظهر في مناسبات عديدة، ولكن النقطة الوحيدة التي تقف عندها هي الاسم. فرفع اسم "العمال الكردستاني" من قوائم الإرهاب لديها مازال صعباً بالنسبة إلى العلاقة التي تربطها بتركيا، ولكنها تعتبر أن من مصلحتها إقامة علاقة قوية مع هذا الحزب، لذلك جاء اسم "الاتحاد الديموقراطي" حلاً سحرياً لهذه المعضلة الديبلوماسية. فـ"PYD" غير مدرج على قوائم الإرهاب الأميركية، وعندما اللقاء مع ممثل لـ"العمال الكردستاني" يمكن للأميركيين التنصل والقول إنه من "الاتحاد الديموقراطي"، ويمكنه أن يضع على ذراعه لصيقة كتب عليها "RUJAVA ARMY" كما فعل بولاط جان، على سبيل المثال.

من جهة أخرى، كان المسؤولون الأتراك عند حدث من هذا النوع يتجنبون القنوات الديبلوماسية الرسمية، ويطرقون باب الاتصالات شبه الرسمية، وتلعب ما تسمى "ديبلوماسية الهاتف" الدور الرئيس في هذا الأمر. ولكن يبدو أن الأمور بدأت تأخذ منحى آخر، فالجديد هو استدعاء السفير الأميركي إلى الخارجية، وإبلاغه احتجاجاً رسمياً على هذا الأمر.

فالقضية السورية غيرت ثوابت سياسية راسخة لعقود، فقد ظهرت مؤخراً مؤشرات على خلافات عميقة بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، في النظرة إلى النظام السوري. وهذه السياسات كلها هي جزء من هذه النظرة، ولعل الموقف من حزب "العمال الكردستاني" ليس إلا واحداً من هذه المؤشرات، والتفاهمات الروسية-الأميركية حول القضية السورية مؤشر آخر. فهل هذا يعني أن الولايات المتحدة تخلت عن تركيا، وانتقلت إلى الطرف الآخر؟

مازالت شعرة معاوية تربط بين تركيا والولايات المتحدة، وليس لدى الطرفين مصلحة بقطعها، وإذا كان استدعاء السفير الأميركي إلى الخارجية التركية، شدٌّ للشعرة من طرف تركيا، فإن الولايات المتحدة سترخي الشعرة، ولن تقطعها حالياً...