ترامب سيواجه إيران في سوريا

حسين عبد الحسين
الإثنين   2016/12/05
AFP ©

في الفكر المضطرب للرئيس الأميركي المنتخب وشبه الأمي دونالد ترامب، ثابتتان في السياسة الخارجية: القضاء على تنظيم "الدولة الاسلامية"، ومواجهة "الجمهورية الاسلامية" في إيران.

ويؤكد اندفاعة ترامب لمواجهة إيران عدد من المؤشرات، أولها رغبته في القيام بعكس كل ما قام به سلفه باراك أوباما — خصوصاً لناحية الانفتاح على إيران — لإثبات أن أوباما أضعف أميركا، وثانيها تصوير نفسه وكأنه سيعيد أميركا الى قوتها بين الامم وعظمتها، بعدما حطمها سلفه.


ويشكل تعيين ترامب للجنرال المتقاعد جيمس ماتيس وزيراً للدفاع، إثباتاً على ان الرئيس المنتخب يختار فريق مواجهة ضد ايران، فإدارة أوباما كانت أخرجت ماتيس من منصبه، قبل أوانه، بسبب ما اعتقدتها مواقف متشددة اتخذها الجنرال ضد الإيرانيين، وخشية أن تعرقل مواقفه تلك، ليس التوصل لاتفاقية نووية مع إيران فحسب، بل "البناء على الايجابية" التي كان من المفترض أن تؤدي إليها الاتفاقية في إعادة العلاقات الديبلوماسية بين الولايات المتحدة وايران.


أما كيف سيكون شكل المواجهة الأميركية ضد الإيرانيين، فالمؤكد أنها لن تتضمن اجتياحات برية أميركية في منطقة الشرق الاوسط، بل توسيع النموذج الذي بدأ في عهد أوباما، والقاضي بتطعيم ميليشيات شرق أوسطية حليفة لواشنطن بقوات أميركية خاصة، وتسليح هذه الميليشيات، وتدريبها، وتأمين غطاء جوي لها.


والجنرال ماتيس من أكثر متابعي المشهد الايراني، بأدق تفاصيله، والمعروف عنه إنكبابه على دراسة تقارير السفير البريطاني سيمون غاس، الذي عمل في طهران بين العامين 2009 و2011. ويعلم ماتيس أن طهران لا تكافح الارهاب كما تقول، بل هي تسلط ميليشياتها ضد أعدائها، الذين تسميهم كلهم أرهابيين. ويعلم ماتيس ان السلطة في ايران لا تتمتع بنفوذ شعبي، بل هي شبكة مصالح ريعية محيطة بالنظام وتشتري ولاءات جزء كبير من الايرانيين، لكنه جزء لا يقترب من كونه غالبية.


ويبدو أن في مخيلة ماتيس أنه يمكن التصدي للايرانيين بموازنة قوة مليشياتهم في منطقة الشرق الاوسط بمليشيات محلية مواجهة لهم، خصوصاً في سورياً، وزيادة الضغط على إيران نفسها بحروب استخباراتية داخل الجمهورية الاسلامية.


وسبق للجنرال المعين وزيراً للدفاع، القول إن إلحاق الهزيمة بإيران في سوريا سيكبدها خسائر ثمرة عمل طوله 25 عاماً، في إشارة ضمنية إلى عمر "حزب الله" اللبناني.


أما كيف سيؤثر أي انخراط عسكري أميركي في مواجهة إيران على الأرض السورية، فهو نظرياً يعطي الرئيس السوري بشار الأسد مساحة أوسع للمناورة والابتعاد عن الإيرانيين، وتقديم نفسه على انه بديل الميليشيات الايرانية في سوريا. كذلك يمكن للأسد أن يقدم نفسه وسيطاً بين واشنطن وطهران، على غرار ما حاول فعله في لبنان في العام 2009.


لكن يبدو أن طهران، المحنكة في السياسة، استبقت أي تغيير قادم في ديناميكية الحرب السورية باستعراض "حزب الله" العسكري في القصير، وبإجبارها دمشق على إعلان انضمام حزب الله الى "الفرقة الخامسة" النخبوية في الجيش السوري. والخطوتان بدتا رسالة إيرانية للأسد، وتأكيداً على أن القرار العسكري في سوريا صار بيد الايرانيين بشكل كامل.


ماتيس سيدفع الولايات المتحدة الى "التكشير عن أنيابها" عسكرياً، وهي عندما فعلت ذلك إبان اجتياح العراق في العام 2003، أرسل الإيرانيون رسائل فورية للانفتاح على واشنطن، حسب ادعاءات مدير لوبي إيران في واشنطن تريتا بارسي، والدبلوماسي الأميركي السابق فلينت ليفيريت.


ويوم أرسلت واشنطن سفنها الحربية الى الشواطئ السورية لمعاقبة الأسد على مجزرة الكيماوي في العام 2013، سحب الروس 16 سفينة حربية لإفساح المجال أمام القوة الاميركية الأكثر تفوقاً بأشواط.


ماتيس يعرف أن إيران وروسيا تتعملقان حين تهملهما أميركا وتخرج من الشرق الاوسط وتعزل نفسها. وهو يعرف أيضاً أن الايرانيين والروس يتراجعون أمام خطر أي مواجهة عسكرية مباشرة مع أميركا. لذلك، من المرجح أن يقدّم ماتيس عرض قوة في وجه الإيرانيين، وهو عرض يعجب من دون شك الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ويتوافق مع تهريجاته السياسية.


من الممكن أن إيران رأت في ترامب خياراً أفضل من منافسيه لاعتقادها أنه سيقود أميركا إلى الهاوية ببلاهته، وسيتخلى عن سوريا، لكن بلاهة الرئيس الأميركي المقبل يجب ألا تكون سبب اطمئنان لدى خصوم أميركا، وهي بلاهة بالكاد تطمئن أصدقائها.