لماذا ترك أوباما سوريا وحيدة؟

حسين عبد الحسين
الإثنين   2016/12/19
Getty ©

في مؤتمره الصحافي الأخير بصفته رئيساً للولايات المتحدة، كرر باراك أوباما نظرياته البائسة، التي يلجأ إليها عادة، لتبرير تقاعس بلاده والعالم عن ثني روسيا وايران والرئيس السوري بشار الأسد عن هدم مدن سوريا على رأس ساكنيها. قال أوباما إنه من دون قوات أرضية أميركية كثيفة، لا يمكن تغيير الاوضاع العسكرية على الأرض السورية، وإن أي تدخل عسكري أميركي من دون دعوة حكومة ذات سيادة، ومن دون مسوّغ أممي، من شأنه ان يعقّد الأمور أكثر من ان يساهم في حلّها.

وقال أوباما أيضاً، إن مجموع اللقاءات التي عقدها مع مستشاريه المدنيين والعسكريين استغرقت ساعات طويلة، وتوصلت كلها الى نتيجة عقم التدخل العسكري الاميركي في سوريا، خصوصاً في وجه "قوة عظمى" هي روسيا، وقوة "اقليمية" هي ايران، وفي ظلّ ضعضعة المعارضة السورية وانعدام قدرتها على الحكم في حال انهيار النظام.


شرح أوباما يبدو منطقياً للوهلة الاولى، ولكن ما يقله أوباما هو التالي:
أولا، إن فريق المستشارين الذي نصح الرئيس بعدم جدوى التدخل هم من الاشخاص الذين اما اختارهم أوباما بسبب موقفهم المؤيد للأسد، مثل المسؤولين الثلاثة المتعاقبين على منصب "مسؤول الشرق الاوسط" في مجلس الأمن القومي ستيف سايمون وفيل غوردن وروب مالي، أم من المستشارين ممن يضمرون عكس ما يعلنون، تمسكاً بمنصبهم، مثل وزيري الخارجية والدفاع جون كيري وآشتون كارتر.


ثانياً، لتبرير تقاعس أميركا عن انقاذ السوريين من المجازر، وصف أوباما روسيا على انها "قوة عظمى"، وهو وصف لا يصدقه أوباما نفسه ولا أي من متابعي السياسة الخارجية الاميركية، فالرئيس فلاديمير بوتين قد يكون مشاغباً، ولكن قوته العسكرية محطّ تندر في العاصمة الاميركية، خصوصاً بعدما ارسل حاملة طائراته الوحيدة كوزنتسوف، التي تسير وسط عاصفة من الدخان الأسود مثل قطارات القرن التاسع عشر، والتي تسببت تقنيتها البدائية بتحطم مقاتلتين روسيتين، حتى الآن، اثناء محاولتيهما الهبوط على متنها.


ثالثاً، لا يبدو أن أوباما يكترث للقانون الدولي ومبدأ احترام سيادات الدول الا في الحالة السورية. الطائرات الاميركية من دون طيار تجوب سماء الكوكب، وتطلق صواريخها في اي اتجاه تشاء لتصفية اعداء أميركا هنا أو هناك. عملية قتل زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، وهي التي يتباهى بها أوباما يومياً للدلالة على حكمته وصلابته، جرت من دون التنسيق مع السلطات المحلية، في اختراق واضح للسيادة الباكستانية. القوة العسكرية الاميركية لا تحترم سيادات الدول، لا قبل أوباما، ولا في عهده، ولا بعد رحليه.


ثم إن مقاتلات الولايات المتحدة تخترق السيادة السورية شرق الفرات لاستهداف تنظيم "الدولة الاسلامية"، فيما تشارك قوات أميركية خاصة في عمليات عسكرية في المنطقة السورية نفسها، من دون قرار من الأمم المتحدة أو دعوة من حكومة الأسد.


رابعاً، إذا كان أوباما لا يؤمن بجدوى تسليح المعارضة السورية، التي تأرجح في وصفها بين حفنة من المقاتلين الهواة وبين ارهابيين متمرسين، فلماذا تتمسك واشنطن بنموذج الشراكة مع ميليشيات أخرى في سوريا والعراق، مثل تحالفها مع ميليشيات كردية في البلدين، ومجموعات شيعية وبعض العشائر السنية؟ ولماذا عمدت "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي اي)، بالشراكة مع عدد من نظيراتها العربية، منها المصرية، على إقامة غرفة تنسيق عسكرية لدعم المعارضة السورية في الأردن؟ ليتضح في وقت لاحق أن الغرفة المزعومة كان هدفها السيطرة على المعارضة السورية المسلحة في الجنوب وكبحها، بدلاً من دعمها.


لقد تخلى الرئيس باراك أوباما عن السوريين وتركهم وحدهم أمام آلة قتل فظيعة. هو تعاطف معهم قولاً، ولكنه لم يقم بأي فعل على الأقل لتقليص، لا وقف، المجازر بحقهم. تخلي أوباما عن السوريين هو وصمة عار على سجله، وهي وصمة صارت محط إجماع الاميركيين من الحزبين، حتى قبل خروجه من الرئاسة.


أما أسباب تخلي أوباما عن السوريين، فالأرجح مردها الى شخصيته المترددة. الاميركيون أيضاً مستاؤون من تقاعسه عن حمايتهم من "التشبيح" الروسي الذي طال كومبيوتراتهم وأسرارهم الشخصية. لم يمارس أوباما استخبارات مضادة للتحسب لاختراقات روسيا الحسابات الاميركية، ولم يقم كذلك بردة فعل تجعل الروس يندمون على فعلتهم. جلّ ما فعله هو وقوفه أمام الاعلاميين ليقول إنه طلب من بوتين التوقف عن اختراق الحسابات الاميركية، على نفس طراز استجداء الديبلوماسية الاميركية نظيرتها الروسية الرحمة في سوريا، وحول العالم.


أوباما الضعيف ظهر على مدى سنين حكمه كأستاذ جامعة ومحلل سياسي أكثر منه رئيس أقوى قوة عسكرية في العالم. هكذا سيذكره التاريخ، وهكذا سيلعنه السوريون.