حلب: ما قبل وقف النار..وما تلاه

خالد الخطيب
الخميس   2016/12/15
استهدفت المليشيات رتل السيارات الذي يحمل الجرحى والمرضى من حواجزها في منطقة العامرية غربي المدينة (انترنت)
بدأت المعارضة الحلبية التحضير لعمليات إجلاء الجرحى والمرضى من الأحياء المُحررة المُتبقية جنوب غربي حلب، بعدما أعيد العمل بالاتفاق الذي أبرمته المعارضة مع ممثلي روسيا والنظام، بوساطة تركية ليل الثلاثاء/الأربعاء. وجُهّزت صباح الخميس، الدفعة الأولى من الجرحى والمرضى من أحياء حلب الشرقية المُحاصرة، وتجمع المدنيون في ساحات الأحياء استعداداً للتوجه إلى نقطة انطلاق الحافلات للمغادرة إلى مناطق ريف حلب الغربي وإدلب. الساحة الرئيسة للتجمع كانت في حي المشهد.

الدفعة الأولى من المعارضة والبالغ عددها نحو 250 شخصاً، غادرت حيي المشهد والسكري عند الساعة التاسعة من صباح الخميس، ودخل جزء منها فقط مناطق سيطرة النظام بعدما قطعت حاجز المليشيات المتمركز في حي العامرية، ومنه إلى منطقة الراموسة التي ستكون نقطة الانطلاق الثانية إلى خارج الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة. وسيكون تجمع الخارجين من مقاتلي ومدنيي المعارضة في حي الراشدين، وما أن تتم عملية الإجلاء الأولى والتي بدأتها المعارضة لاختبار النوايا، حتى تبدأ في ما بعد عمليات إجلاء المدنيين والمقاتلين تباعاً، وعلى دفعات.



عملية الإجلاء تمت عرقلتها من قبل المليشيات، التي لم تسمح لكامل السيارات بالمرور، واستهدفت المليشيات رتل السيارات الذي يحمل الجرحى والمرضى من حواجزها المنتشرة في مناطق سيطرة النظام في منطقة العامرية غربي المدينة. وقامت بإطلاق النار عشوائياً باتجاه السيارات التي تُقلُّ المدنيين المرضى والجرحى. وتعرضت سيارة إسعاف تقل جرحى لإطلاق نار مباشر من قبل حواجز النظام وحلفائه، ما أدى لإصابة أربعة أشخاص اثنان من الدفاع المدني ومدنيان مصابان أصلاً.

وعلى خلفية الاستهداف المباشر من قبل المليشيات لسيارات الإسعاف والحافلات وآليات الدفاع المدني التي كانت تفتح الطريق أمام الدفعة الأولى من الخارجين، توقفت عمليات الإجلاء، وعاد قسم كبير من السيارات إلى حي المشهد من المكان الذي انطلقت منه بانتظار قدوم الهلال الأحمر والصليب الأحمر اللذين لم يكونا حاضرين كما تم التعهد بحسب الاتفاق.

القائد العسكري في حركة "أحرار الشام الإسلامية" والمفاوض عن فصائل المعارضة في حلب الفاروق أحرار، قال لـ"المدن"، إن الصليب الأحمر والهلال الأحمر، سيشرفان على العملية بشكل كامل، وسيرافقان رتل السيارات الأول الذي ينقل الجرحى والمرضى وصولاً إلى عقدة الرقة قرب الراشدين غربي المدينة.

وأوضح الفاروق أن الاتفاق الجديد يحمل البنود ذاتها التي تم التوقيع عليها مساء الثلاثاء، ونفى أن يكون ملف بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين في ريف ادلب، قد أدخل ضمن بنود الاتفاق الجديد الخاص بإخراج المعارضة المسلحة وآلاف المدنيين المحاصرين في أحياء مدينة حلب.

وإلى الآن، لم يخرج أي من عناصر المعارضة من حلب، عبر المعابر التي نص عليها الاتفاق. وتنتظر المعارضة تبريرات منظمتي الهلال الأحمر والصليب الأحمر اللتين حضرتا أخيراً إلى المعابر، وتسعيان الآن لإعادة تفعيل عمليات الإجلاء المتوقفة منذ ساعات الصباح الأولى.

المعارضة المسلحة ومعها الآلاف من العائلات، تنتظر نتائج المساعي الحثيثة لإتمام بنود الاتفاق، والعمل بشكل سريع على خروج كل المحاصرين إلى خارج المدينة، وتتخوف من خدعة جديدة روسية-إيرانية تزيد مأساتهم الإنسانية التي لم تعد تُحتمل في ظل انعدام كل مقومات الحياة في الأحياء القليلة التي تسيطر عليها داخل حلب.

وعاش الحلبيون في الأحياء المحاصرة جنوب غربي المدينة ليلة عصيبة بانتظار صباح الخميس، موعد خروج الدفعة الأولى من المحاصرين نحو الريف الغربي وإدلب، بعدما دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد منتصف ليل الأربعاء/ الخميس، والتزمت به المعارضة ومليشيات النظام. الأخيرة كانت قد عرقلت اتفاقاً مشابهاً الليلة الماضية ومنعت عدداً من السيارات التي تُقلُ جرحى ومصابين من العبور، رغم التوقيع على اتفاق مكتوب بين المعارضة وممثلين عن النظام وروسيا.

وسبق الإعلان عن وقف اطلاق النار مساء الأربعاء، قصف متبادل بالأٍسلحة الثقيلة، وقصفت مليشيات النظام مواقع المعارضة في أحياء المشهد والسكري وصلاح الدين وسيف الدولة والزبدية والأنصاري، بوابل من صواريخ الكاتيوشا والمدفعية والهاون وقذائف الدبابات، وردت عليها المعارضة بقصف بالهاون والرشاشات الثقيلة استهدفت مواقعها في العامرية والشيخ سعيد. واستمر القصف والاشتباكات على مدار ساعتين تقريباً، قبل دخول وقف اطلاق النار حيّز التنفيذ. اشتباكات كانت بمثابة الوداع الأخير لأعداء الامس الذين استمر قتالهم منذ منتصف العام 2012 وانتهى بصورة مأساوية لصالح النظام وحلفائه على حساب المعارضة التي باتت تبحث عن مخرج آمن لمقاتليها وعائلاتها وآلاف من المدنيين العالقين.

واندلعت اشتباكات ومعارك عنيفة مساء الأربعاء، في جبهات ومحاور جنوبي وغربي حلب، في الجبهات الخارجية، وحاولت فصائل المعارضة المسلحة من "جيش الفتح" و"فتح حلب" الضغط على المليشيات نارياً لإجبارها على تنفيذ الاتفاق القاضي بخروج المعارضة. وشهدت جبهات التلال الواقعة إلى الجنوب الغربي من الراموسة ومدرسة الحكمة اشتباكات وقصفاً متبادلاً بين الطرفين سرعان ما هدأت وتيرتها، واختفت بشكل كامل مع حلول الوقت الذي أعلن فيه وقف اطلاق النار، منتصف الليل.
المعارضة في أحياء حلب المحاصرة، كانت قد اتخذت قرارها بشأن مقتنياتها الحربية والسيارات والآليات التي لا تستطيع حملها أثناء عمليات الإجلاء، وقام نشطاء وإعلاميون ومقاتلون بحرق سياراتهم ودراجتهم النارية وممتلكاتهم الخاصة، وبعض المتعلقات الشخصية التي لا يستطيعون إخراجها، بالإضافة إلى إتلاف بعض الأسلحة والذخائر التي تغص بها المستودعات، كي لا تستفيد منها المليشيات التي "عفشت" كل شيء أمامها في الأحياء التي سيطرت عليها خلال الأسابيع القليلة الماضية شرقي حلب.