حلب: المعارضة توقف زحف المليشيات

خالد الخطيب
السبت   2016/12/10
الأداء الجيد للمعارضة المسلحة في اليومين الماضيين في وجه المليشيات يعود إلى إعادة انتشار مقاتليها في جبهات أضيق (انترنت)
على الرغم من إعلان روسيا وقف مليشيات النظام العمليات العسكرية في حلب، إلا أن المعارك ومحاولات التقدم ما تزال مستمرة في أكثر محور داخل الأحياء المتبقية للمعارضة جنوب شرقي المدينة، وفي محيط القلعة التاريخية. وتحاول المليشيات تضييق الخناق على المعارضة عبر قضم المزيد من المناطق في جبهات أحياء المعادي وجب الجلبي والإذاعة وبستان القصر والشيخ سعيد والجامع الأموي. وشهدت هذه الجبهات أعنف المعارك بين الطرفين، الجمعة والسبت.

وتقول المعارضة إن تثبيت خريطة السيطرة داخل الأحياء المتبقية في قبضتها جنوب شرقي المدينة، خلال الساعات الـ72 الماضية، كان بفضل مقاومتها وتصديها للهجمات البرية المستمرة. ولم توفر المليشيات جهداً لإحراز تقدم جديد، مستهدفة بشكل متواصل الأحياء المُحررة بالمدفعية والصواريخ، وغارات الطيران. وكان مروحي البراميل قد ارتكب مجزرة مروعة، الجمعة، في حي الجلوم في حلب القديمة، راح ضحيتها أكثر من 20 مدنياً.
وقصف الطيران المروحي حي بستان القصر ببراميل متفجرة محتوية غاز الكلور السام، ما تسبب في وقوع حالات اختناق في صفوف المدنيين. وتجدد القصف الجوي والمدفعي والصاروخي، السبت، مستهدفاً أحياء المعادي والسكري وكرم الدعدع والصالحين والفردوس ومحيط الجامع الأموي في حلب القديمة.

من جانبها، ردت المعارضة المسلحة بقصف مدفعي، وبالهاون، على مناطق سيطرة المليشيات في القسم الغربي من المدينة، واستهدفت أحياء الفرقان والمشارقة ومحيط القصر البلدي وسيف الدولة وصلاح الدين وباب الفرج. وقد تسبب القصف في مقتل وجرح عدد من المدنيين بينهم أطفال ونساء.

وتجددت المعارك العنيفة، السبت، بين المعارضة والمليشيات في معظم الجبهات المحيطة بالأحياء المحاصرة؛ الشيخ سعيد والإذاعة وصلاح الدين وسيف الدولة والمعادي ومحيط المرجة والصالحين وكرم الدعدع وجب الجلبي وحارات حلب القديمة جنوبي القلعة، وسط قصف جوي ومدفعي وصاروخي من قبل المليشيات خلّف مزيداً من القتلى في صفوف المدنيين.

المتحدث الرسمي باسم "حركة نور الدين الزنكي" النقيب عبدالسلام عبدالرزاق، أكد لـ"المدن" أن المعارضة تمكنت من قتل 70 عنصراً على الأقل، وأسرت أربعة آخرين من المليشيات، بعدما حاولت التقدم في جبهات الشيخ سعيد والإذاعة والمعادي وجب الجلبي. ودمرت المعارضة أربع مدرعات، كان آخرها في جبهة الإذاعة، وهي من طراز "T-92" المتطورة، بالإضافة إلى عدد من السيارات رباعية الدفع المحملة برشاشات ثقيلة، تم اعطاب معظمها في جبهة حي المعادي الذي كان المحور الرئيس للمعارك المشتعلة بين الطرفين منذ الخميس، وحتى الآن.

وأوضح النقيب عبدالسلام أن المليشيات لم تستطع التقدم نهائياً في الأحياء المتبقية للمعارضة شرقي المدينة، رغم العمليات العسكرية المستمرة، والدعم الناري الكبير. ويعود ذلك في جانب كبير منه إلى أن القيادة والسيطرة والتنسيق بين الفصائل في حلب أصبحت افضل، وخطوط الدفاع باتت متماسكة، لذلك كانت خسائر المليشيات كبيرة خلال الساعات الـ48 الماضية.
وأشار النقيب عبدالسلام إلى أن التصريحات الروسية عن وقف هجوم المليشيات في حلب مجرد مخادعة، وليست واقعية، وهي تهدف بالدرجة الأولى إلى كسب المزيد من الوقت، والتضييق على المعارضة أكثر، وإفشال أي مساعٍ إنسانية بشأن آلاف المدنيين الذين تجمعوا في بقعة جغرافية صغيرة داخل الأحياء المُحررة المحاصرة. والمعارضة لا تمانع إخراج المدنيين وضمان سلامتهم، بل على العكس، ينصب جهد المعارضة الآن في ايجاد مخرج آمن لهم. لكن هذه الجهود تصطدم بالمماطلة والخداع الروسي، بالإضافة للتخاذل الدولي إزاء مأساة حلب.

وكانت المعارضة في وقت سابق من الأسبوع الماضي قد انسحبت من معظم مواقعها في حي باب النيرب لتسيطر عليها المليشيات وتصبح على تماس مباشر مع حي المعادي، وحققت المليشيات تقدماً موازياً في الشيخ لطفي وكرم حومد ومدرسة الصناعة والمرجة. وبذلك أصبحت المليشيات تشرف على حيي كرم الدعدع والشيخ سعيد من جهتي الشرق والجنوب الشرقي، وهي جبهات مفتوحة تشهد معارك متواصلة بين الطرفين وسط قصف مدفعي وصاروخي متبادل.

الأداء الجيد للمعارضة المسلحة في اليومين الماضيين في وجه المليشيات يعود إلى إعادة انتشار مقاتليها في جبهات أضيق، ومحاور أقل من قبل، وتجمع العتاد والعناصر في عدد قليل من الأحياء المتبقية تحت سيطرتها، وهي الإذاعة وصلاح الدين والفردوس والشيخ سعيد والصالحين وبستان القصر والكلاسة والمغاير والجلوم والمعادي والأصلية وكرم النزهة وكرم الدعدع والمشهد والأنصاري والسكري وتل الزرازير والزبدية وأجزاء من أحياء العامرية وسيف الدولة وصلاح الدين.

ومن جانب آخر، اختارت المعارضة "أبو العبد أشداء" قائداً جديداً لـ"جيش حلب" خلفاً لـ"أبو عبدالرحمن نور" الذي أصيب في المعارك مؤخراً. وأبو العبد أشداء هو قائد "لواء أشداء" ويلقى تأييداً من كافة الفصائل العاملة في الأحياء المحاصرة. وكان قد خرج الجمعة في تسجيل مصور، يحث مقاتلي المعارضة على الثبات ومواصلة القتال حتى الرمق الأخير، وتوعد المليشيات بهجمات معاكسة.

وتؤكد المعارضة المسلحة أنها مستعدة لمواجهة طويلة مع المليشيات في ما تبقى لها من أحياء داخل حلب، والتي لا تتجاوز نسبتها 30 في المئة من إجمالي المساحة التي كانت تسيطر عليها شرقي المدينة. وما يؤرق المعارضة ويعيق أعمالها العسكرية، هو وجود أكثر من 100 ألف مدني تجمعوا في عدد قليل من الأحياء التي تسيطر عليها، ولا يمكن للمدنيين أن يسكنوا الأحياء الطرفية التي تعتبر خطوط مواجهة مستمرة، لذلك يقصدون قلب المنطقة المتبقية بيد المعارضة، التي أصبحت تضم كثافة سكانية عالية، وأي استهداف مباشر من قبل المليشيات لهذه المنطقة قد يتسبب بوقوع مجازر مروعة.

وتخلي المعارضة المسلحة مسؤوليتها عن مصير آلاف المدنيين الخارجين من مناطق سيطرتها نحو مناطق المليشيات. ولا تمانع المعارضة خروج الناس نحو مناطق  النظام، وهو الخيار الوحيد المتوفر لهم بطبيعة الحال. وتتخوف من المصير المجهول لآلاف العائلات التي فرت نحو مناطق النظام في الفترة الماضية، وعمليات الاعتقال المستمرة في صفوفهم، وبالتحديد من الشباب الذين تم زجّ بعضهم للقتال إلى جانب المليشيات. وثبت ذلك في معارك الشيخ سعيد، حين قتل أحد العناصر المجندين حديثاً مع قوات النظام، بعدما كان قد فر في وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني من حي مساكن هنانو.

وإذا حدث اتفاق على خروج المدنيين من الأحياء القليلة التي تسيطر عليها المعارضة، فمن المحتمل أن تشهد الفترة المقبلة معركة حاسمة بين المعارضة والمليشيات. ويبقى احتمال آخر، وهو خروج مقاتلي المعارضة من حلب الشرقية، وفق اتفاق ملحق بالاتفاق الأول. وتسعى المعارضة لجعل ذلك الاتفاق، إن تمّ، مشرفاً، عبر تحسين وضعها الميداني الحالي على الأرض لفرض شروط تفاوضية أفضل، كأن تخرج ومعها أسلحتها وتتوجه إلى المكان الذي تريده، أي ريف حلب الشمالي لا إدلب.