ريف حمص الشمالي: الاغتيالات تعود من جديد

آبـو أبو تراب
الإثنين   2016/10/24
قد تكون صراعات أو ثارات شخصية، قد استغل الجاني فيها اسم "داعش" بغرض التضليل (انترنت)
أطلق مجهولون النار على القيادي في "فيلق حمص" المعروف بلقب "أبي ثائر الشنور"، قبل يومين، ليعود مجدداً شبح الاغتيالات الذي طال قياديين عسكريين وشرعيين. وكان آخر تلك الاغتيالات، منذ شهور، العملية التي استهدفت قائد تشكيلات "أحرار الشام" في ريف حمص الشمالي "أبو راتب".

القيادي الشنور، نجا من محاولة الاغتيال بمسدس مزود بكاتم صوت، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد ساعات وجد عناصر من "فيلق حمص" المحسوب على الجيش الحر، قرب أحد مقراته، رسالة مكتوبة بخط اليد، تُستهل بعبارة "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية رغم أنوفكم"، وتُورد فيها أسماء قياديين في "الفيلق" ومقربين منه، ومنهم قائده العام وأقرباؤه، والقيادي الشنور وإخوته. الرسال اختتمت بعبارة: "ترقبوا المفاجآت.. انتقاماً لبيت زغيب".

هي "داعش" إذاً، بحسب الرسالة، أو ربما بحسب ما يريد كاتبها أن يظنه الآخرون.

في حزيران/يونيو 2015 كانت معارك قد اندلعت بين خلايا من "داعش" من جهة، و"فيلق حمص" و"أحرار الشام" و"جبهة النصرة" من جهة أخرى، في الريف الشمالي المُحاصر. وكانت القوة المشتركة المؤلفة من الفصائل السابقة قد تمكنت من قتل 50 عنصراً مسلحاً ينتمون إلى "الكتيبة الخضراء" المتهمة بمبايعة "الدولة الإسلامية" في قريتي الزعفرانة والمكرمية. وكان حوالي 13 عنصراً من "آل زغيب" قد قتلوا على يد القوة المشتركة في الزعفرانة، ومن بينهم أبو جهاد زغيب وأبو ليلى زغيب، القياديان في "الكتيبة الخضراء"، وهما من حي بابا عمرو في مدينة حمص.

وتسببت المعارك في تصفية وجود "الدولة الإسلامية" في ريف حمص الشمالي، واعتبارها تشكيلاً محظوراً. كما نتج عنها تغيّر في عقلية الفصائل في التعامل مع أعمال العنف والاغتيالات والتخريب، مجهولة الفاعل. فقبل ذلك التاريخ كانت تلك الأعمال تُسند عموماً إلى نشاط أجهزة مخابرات النظام، أما بعده فقد صار شائعاً أن تُحمل المسؤولية كاملةً لتنظيم "داعش".

ويدرك المطلعون على أوضاع ريف حمص الشمالي العامة، وعلى ظروفه العسكرية والاجتماعية والاقتصادية، مدى تعقيد مشكلاته وتشابك علاقاته العامة التي تربط بين التشكيلات والكيانات المُعارضة المدنية والعسكرية. بيئة كهذه تفرز باستمرار تناقضات لا حصر لها، لتشكل بدورها تربة خصبة للخلاف والتنافر، ما قد يتحول في أي لحظة إلى صراع.

النظام بدوره، ومن بعد فشله العسكري في اقتحام الريف، في تشرين الأول/أكتوبر 2015، لجأ إلى جملة من الخيارات البديلة؛ من اعتماد سياسة الهدن والتهدئة في منطقة وإشعال مناطق مجاورة لها، كما حدث في قريتي تير معلة والدار الكبيرة المتجاورتين. كما لجأ النظام إلى فتح معبر لإدخال الإغاثة "الأممية" في قرية، وإغلق كافة المنافذ إلى القرى الأخرى. وسائل انتهجها النظام سعياً لتأزيم العلاقات بين الجميع، وتأجيج التناقضات على نحو قد يدفع إلى اقتتالات داخلية؛ مناطق ضد مناطق، أو تشكيلات عسكرية مُعارضة ضد تشكيلات مماثلة، أو اثارة النزاع بين المدنيين والتشكيلات العسكرية.

الرسالة، مع محاولة الاغتيال الفاشلة، جاءتا في أعقاب نشاطات "فيلق حمص" التدريبية، التي ظهرت صور ومقاطع منها في مواقع التواصل الإجتماعي. و"الفيلق" كان قد أنجز دورات قتالية لمنتسبيه الجدد، جرى تخريج الدفعة الأخيرة منهم منذ أيام قليلة.

أما في ما يخص الرسالة بحدّ ذاتها، فأكثر ما يلفت الانتباه، هو رداءة الخط وطابع الاستعجال في كتابتها. وبالمقارنة مع وثائق "داعش" ورسائله السابقة المتقنة، فالخلاف بيّن، كما أن محتوى الرسالة الأخيرة كان هزيلاً لا يفيد غير التهديد، على عكس مضمون وثائق سابقة للتنظيم.

والقاتل عادة، لا يذكر ضحاياه المحتملين، ربما إلا بعد إتمامه لفعل الاغتيال، فإن فعل عكس ذلك، فهو يسعى إلى هدف آخر غير مجرد القتل. وربما فعل القتل بحد ذاته لن يكون سوى وسيلة لتحقيق ذاك الهدف، كـ"الإرهاب" والتأثير النفسي في الخصم لشلّ حركته أو ردعه عن نشاطه. في هذه الحالة، قد تبدو العملية برمتها صراعاً محدوداً بين متنافسين، لكن، من الممكن أيضاً أن يكون القاتل قد اعتمد ذكر ضحاياه في معرض الإعلان عن الجهة التي ينتمي إليها، بغرض التضليل وإخفاء هويته الحقيقية. لذا، فقد تكون صراعات أو ثارات شخصية، قد استغل الجاني فيها اسم "داعش" بغرض التضليل.

وفي ظل غياب نظام أمني كامل في ريف حمص الشمالي، ومع ضعف الكيانات القضائية الشرعية، وعجزها الكبير، يبدو الوصول إلى هوية الجهة أو الأفراد الضالعين في وقائع ظاهرة الاغتيال أمراً عسيراً. ورغم أنه من القرائن ما يفيد قيام بعضهم ممن لا علاقة له بتنظيم "داعش" بزج اسمه وربطه بفعل الاغتيال، ربما لإثارة الفتن، أو للإفلات من المحاسبة.