عرب ريف كوباني..من الحرب إلى الحصار

عقيل حسين
الجمعة   2015/04/24
حصار شبه كامل، وتضييق واضح تتعرض لها القرى العربية، في ريف عين العرب (أ ف ب)
طالب تنظيم "الدولة الإسلامية" أهالي قريتي القبة والجعدة، العربيتين، والمحاذيتين لنهر الفرات، شرقي حلب، بمغادرة قراهم باتجاه مدينة منبج. التنظيم اعتبر أن هذه القرى أصبحت "بلاد كفر" بعدما سيطرت عليها مؤخراً قوات "وحدات حماية الشعب" الكردية بمساندة فصائل من الجيش السوري الحر.

وتشهد القرى العربية في ريف كوباني "عين العرب"، حصاراً خانقاً، منذ سيطرة الفصائل المناهضة للتنظيم على المنطقة، حيث تمنع "الدولة الإسلامية" الأهالي من الذهاب بقوارب الصيد باتجاه مدينة منبج الواقعة تحت سيطرتها، للحصول على احتياجهم، والعودة. فالتنظيم يرفض تموين أهالي القرى، ويطالبهم بالرحيل الكامل عن مناطقهم. ويتحدث المدنيون في هذه القرى، عن قيام عناصر التنظيم بإطلاق الرصاص على القوارب التي تحاول الوصول إلى مدينتي منبج وجرابلس، ما دفعهم للإحجام عن المحاولة من جديد. علماً أن نهر الفرات، هو الممر الوحيد بالنسبة لهذه القرى، للوصول إلى مناطق سيطرة التنظيم في ريف حلب الشرقي.

كما تشدد القوات الكردية إجراءاتها على دخول سكان القرى العربية إلى كوباني؛ حيث تمنع الوحدات الكردية أهالي القرى العربية من الدخول إلى كوباني، إلا بعد الحصول على تصريح من القوات الأمنية لوحدات الحماية "الأساييش". ويقول الأهالي بأنه من الصعوبة بمكان الحصول على هذه التصريحات.

الأهالي في هذه المنطقة المتصارع عليها، يدفعون الثمن الأكبر في هذا الصراع، وخاصة لجهة المعاناة من ارتفاع الأسعار، وفقدان معظم المواد الأساسية. وتعلل "الإدارة الذاتية" الكردية تحفظها على دخول السكان العرب إلى المناطق الكردية من كوباني وريفها، بسبب "الخشية من تسرب عناصر ينتمون لداعش، يمكن أن يقوموا بعمليات تخريبية في المناطق التي تم طرد التنظيم منها".

عضو المكتب السياسي في "التجمع الديمقراطي الكردي الحر" عمر علوش، نفى هذه الاتهامات، ودعا وسائل الإعلام والصحافيين إلى زيارة المنطقة، للوقوف على حقيقة الأمر عن كثب، وعدم الاكتفاء بنقل الإشاعات، وما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي. وقال علوش لـ"المدن"، إن المواد الإغاثية التي تصل كوباني، لا تفي حاجة سكان المدينة وريفها أصلاً، وإن ما وصل إلى قريتي القبة والجعدة العربيتين، أكثر مما وصل لكوباني، والريف الكردي.

وأضاف علوش، أن ظروف الحرب مع تنظيم الدولة "تفرض علينا اتخاذ اجراءات أمنية مشددة، ولذلك، فإننا نمنع الدخول والخروج من مدينة كوباني، إلا من خلال مداخل المدينة الرسمية، والتي تقوم قوات الحماية بتأمينها، عبر تطبيق تدابير مشددة، وهي إجراءات تطبق على القادمين من القرى الكردية والعربية، على حد سواء".

لكن الصحافي عبد الرزاق نبهان، المتواجد في المنطقة منذ بدء المعارك فيها، أكد أن حصاراً شبه كامل، وتضييقاً واضحاً تتعرض له القرى العربية، في ريف عين العرب، من جانب تنظيم الدولة والقوات الكردية. وقال نبهان لـ"المدن": "بكل أسف فإن معاناة القرى العربية كبيرة جداً على هذا الصعيد، حيث يسد تنظيم الدولة المنفذ الوحيد الذي يصل هذه القرى بمدينة منبج، الواقعة تحت سيطرته من خلال نهر الفرات، بينما تبالغ قوات الحماية الكردية، في الإجراءات الأمنية التي تتخذها، قبل السماح لهؤلاء السكان، بالوصول إلى مدينة عين العرب". وأضاف نبهان، أن هذا الواقع، أدى إلى فقدان معظم المواد الأساسية في القرى العربية، التي تم طرد التنظيم منها مؤخراً، وكان من نتائج خسارة "داعش" للمواجهات فيها، أن اعتبرت المناطق التي فقدتها "ديار كفر"، بعد سيطرة القوات الكردية والجيش الحر عليها.

ويصنف تنظيم الدولة كل من الوحدات الكردية والجيش الحر، على أنهما "قوى مرتدة"، ما يعني حسب الرؤية الشرعية التي يتبناها، تحريم إقامة المسلمين في مناطقهم، في ظل توافر أرض تحكمها قوة إسلامية، وتمثلها "دولة الخلافة" التي يقيمها التنظيم. وأشار نبهان إلى قيام "الدولة الإسلامية" بحرمان هذه القرى من التيار الكهربائي، الأمر الذي فاقم من معاناة سكانها، خاصة في ظل عدم قدرة، أو رغبة، أي من الجمعيات والمنظمات الإنسانية في الدخول إلى المنطقة، وتقديم المساعدة لسكانها.

عملياً تبدو معاناة المدنيين من كل القوميات في منطقة عين العرب الملتهبة، مستمرة، رغم انتهاء العمليات العسكرية الأساسية فيها، والتي أسفرت عن هزيمة تنظيم الدولة هناك. ورغم ذلك، لا يبدو أن حلاً يلوح في الأفق، يمكن أن يضع حداً لهذه المعاناة، إلا بحسم الحرب الدائرة في المنطقة، والتي قسمت القرى والبلدات الممتدة على مساحة واسعة من ضفاف نهر الفرات، على أسس عرقية وطائفية.