السلطات المصرية تتأهب.. رعب يناير اقترب

محمد عبدالمعطي المحمد
السبت   2015/12/12
(أ ف ب/أرشيف)
انعكست على الأجهزة المصرية خلال الأيام الماضية حالة من التوتر والقلق، مع اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير. أجهزة قياس الرأي العام في مصر تدرك حجم الغضب المكتوم داخل النفوس، كما تدرك أكثر من غيرها حجم تآكل رهانات المصريين الكبرى على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. فجولة بسيطة داخل أي وسيلة مواصلات عامة كفيلة بنقل واقع بائس عن معاناة قطاعات واسعة من المصريين، رغم الكلام المتكرر عن المشروعات الكبرى والانجازات المتحققة التي يخفيها الرئيس خوفاً من "الأشرار".


الخوف من الأجهزة الأمنية يكبح جماح المصريين من التعبير عن هذا الغضب، فلا أحد يريد تردي الأوضاع أكثر مما هي عليه، خصوصاً أن الشعب لم يجنِ من 25 يناير 2011، وحتى اليوم، إلا تردي الأوضاع عقب كل محاولة جديدة للاحتجاج بشكل أسوأ مما كانت عليه، وذلك كان يعطي للسلطات دفعة قوية للتنكيل.


المؤكد أن رسائل الإسراف في القوة من قبل الدولة ضد الإخوان المسلمين وتظاهراتهم واحتجاجاتهم، التي أعقبت عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو/تموز، كان من بينها الإبراق إلى القطاعات الفاعلة، الراغبة بالتغيير، بأن تكلفة الاعتراض على النظام الجديد مكلفة ومرهقة، فرسائل الترهيب والتخوين واتهامات الأخونة جاهزة لمن يجهر بما لا يرضي النظام.


تستخدم الدولة جميع أجهزتها في رسائل للمصريين، بعيداً عن الرسائل الأمنية. وزير الأوقاف، على سبيل المثال، جاهز دائماً بتصريحاته وبياناته، كما أن حواريي النظام حاضرون أيضاً، على شاكلة مرتضى منصور ومصطفى بكري، الذين قاموا ويقومون بأدوار مزدوجة في السياسة المصرية تظهرهم أحياناً بمظهر المعارضين للنظام، فيما هم في واقع الأمر من أخلص أبنائه.


تمثل ذكرى 25 يناير/كانون الثاني هاجساً يتجدد كل عام للأجهزة الأمنية، خصوصاً مع دعوات الحشد في الميدان على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن منسوب الاحتقان بين المصريين الواقعين تحت تغول وتوحش تلك الأجهزة، وانهيار الحياة المعيشية أمام الواقع الاقتصادي السيء، تزيد من احتمال حدوث تحرك واسع لا ترغب فيه الأجهزة الأمنية.


وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، عمم عناصر الخطبة الموحدة لجمعة الأمس على جميع الخطباء. وحذّرت الخطبة "من دعاة الهدم والفوضى الذين يدينون بالولاء للأعداء ويعيشون في عمى وطمس للبصيرة"، وأكدت ضرورة "التصدي لتلك الدعوات الهدامة من أجل استقرار الأوطان واستتباب الأمن بها، والبعد بالمجتمع كله عن الوقوع في براثن الفوضى التي يعمل الأعداء وأذنابهم من الخونة والعملاء على نشرها في بلادنا ومنطقتنا". كما طالبت خطبة الجمعة الموحدة بـ" ضرورة الاصطفاف الوطني في مواجهة دعاة الفوضى وأصحاب الفكر المتطرف، وإلى التضامن العربي والاصطفاف الإنساني والدولي في مواجهة الجماعات والتنظيمات المتطرفة، على أن تكون المواجهة شاملة لكل هذه الجماعات والتنظيمات أينما وجدت، وأن ينتبه العالم كله إلى خطورة الجماعات الإرهابية في ليبيا والتي لا يقل خطرها عن خطر عناصر هذه الجماعات الكائنة في سوريا، والعراق".


يدرك وزير الاوقاف طبيعة جمهور المتلقين لخطبة الجمعة، فمن المساجد انطلقت تظاهرات 28 يناير/كانون الثاني 2011 الحاشدة. كما أن رواد المساجد هم بطبيعة الحال من المحسوبين على النفوذ التقليدي للإسلاميين بمفهومهم العام والواسع.


قلق النظام من ذكرى 25 يناير يزداد مع ازدياد دعوات فرقاء الثورة المصرية للتوحد، ونسيان الخلافات بين الأطراف المختلفة، خصوصاً مع موجة الانتقاد الواسعة التي حظيت بها الأجهزة الأمنية، بعدما عادت سيرتها الاولى في التعذيب والانتهاكات ضد المواطنين، بالتزامن مع التعاطف الواسع الذي لاقته جماعة الإخوان المسلمين مع تسريب صور لبعض قيادييها المحبوسين وعلى رأسهم محمد سعد الكتاتني، رئيس أول مجلس للشعب بعد ثورة يناير، وهي الصور التي أظهرت المعاناة التي يعيشها معتقلو سجن العقرب، ولاقت تعاطفاً واسعاً حتى من أشد خصوم الإخوان المسلمين.


وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات واضحة على أن ذكرى ثورة يناير ستحقق شيئاً في هذا العام، إلا أن وزارة الداخلية تستعد جيداً، ومبكراً لها. ففي حوار مع وكالة الأنباء الرسمية لمساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العسكري اللواء مدحت الشناوي، كشف عن وجود خطة للداخلية لتأمين "احتفالات" ذكرى الثورة، تشمل تكثيف الإجراءات الأمنية بالتنسيق مع القوات المسلحة بمحيط المنشآت الهامة والحيوية على مدار الـ24 ساعة، ومن بينها مجلس النواب، ومجلس الوزراء، ومبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، والبنك المركزي، ومحطات الكهرباء والمياه الرئيسية، ومدينة الإنتاج الإعلامي؛ لضمان عدم محاولة "عناصر الإخوان" التعدي عليها، فضلاً عن تعزيز الإجراءات المنية في محيط المواقع الشرطية وأقسام ومراكز الشرطة على مستوى الجمهورية.  كما هدد مساعد الوزير "أي واحد هيفكر في الخروج عن القانون أو ترويع المواطنين الأمنين، لا يلوم إلا نفسه؛ لأننا عندنا استعداد نضحي بأرواحنا لحماية المواطن الذي ائتمنا على حياته وسلامته، وإحنا قد الأمانة دي".


في الوقت نفسه، عززت وزارة الداخلية من كمائنها الثابتة والمتحركة في شوارع العاصمة، كما زادت من تواجدها في محيط الأماكن الحيوية، وفي ميدان التحرير بشكل خاص، بتكثيف تواجد قوات الانتشار السريع، وهي قوات مسلحة ومدربة ومجهزة بسيارات دفع رباعي ثابتة في أماكن معينة، أو طوافة، تستطلع شوارع العاصمة ليلاً ونهاراً، ربما لبث رسائل لمؤيدي النظام بأن كل الامور تحت السيطرة، ولمعارضيه بأن عيون الامن مستيقظة.


حواريو النظام لم يغيبوا عن المشهد، خصوصاً وأن بعضهم يستهدف طبقة وقطاعاً معيناً من المصريين تعجبه شخصيات تتحدث بلهجة "شعبية" مثل مرتضى منصور، النائب البرلماني الذي توعد "أي حد هينزل في 25 يناير الجاي هياخد بالجزمة القديمة، البلد مش ناقصة، واللي هينزل نساء مصر هيربوه". وعلى درب منصور، سار النائب البرلماني مصطفى بكري، الذي قال" إن الرئيس عبدالفتاح السيسي أشرف من كل الخونة الذين يريدون النزول في يناير".