"التغيير الناعم" و"الاقتتال المحلّي" سياسة النظام في السويداء

حمزة سرايا
الجمعة   2015/11/06
أمين فرع حزب البعث في السويداء شبلي جنود (انترنت)
احتّل القلق مساحة واسعة من حيّز الحياة اليومية داخل محافظة السويداء، طيلة الأسبوع الماضي، وتكثّف بين اعتقال طبيب الجراحة المعروف عاطف ملاك، ظهر الأحد، وبين إعلان النظام رسمياً الأربعاء عن وفاة أمين فرع "حزب البعث" ورئيس اللجنة الأمنية شبلي جنود، والذي اختفى منذ شهر في حادثة بقيت معلّقة النهاية تتأرجح بين تخمينات التفاصيل القليلة.


تسويق الخوف

لم يعتقل فرع الأمن العسكري الطبيب عاطف ملاك من عيادته القريبة من ساحة المشنقة، أو من منزله في بنايات المهندسين، بل من الشارع، من بين المارة في مشهدٍ مؤلم حمل مقاربات الخذلان العميق. وكأن الطبيب بصراخه واستغاثاته كان يعلم بأنه ذاهبٌ إما إلى حتفه، أو إلى إخفائه القسري مثلما تمّ إخفاء وافد أبو ترابي الذي اتهمه النظام بتدبير حادثة التفجير التي أودت بحياة قيادة "مشايخ الكرامة" في 4 أيلول/سبتمبر. أراد النظام من خلال نسجه لسيناريو الاعتقال من الشارع، تطويق الأصوات المعارضة له داخل المحافظة، وإخافتها مستعرضاً قوته، مشككاً بأي معادلٍ موضوعي لتلك القوة.


جدول الاعتصام الملغى

كانت "الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني في السويداء" -هيئة أهلية محليّة- قد دعت إلى اعتصامٍ سلمي أمام مبنى السرايا الحكومية، الخميس الساعة الواحدة ظهراً، وكان على جدول الاعتصام مطالب منها بالإفراج عن عاطف ملاك، وتحميل الجهات الأمنية مسؤولية كل إيذاء جسدي يلحق به، والكشف عن مصير العديد من المخطوفين والمغيبين مثل شبلي جنود، والصيدلاني سعيد العك الذي تم توقيفه على حاجز القطيفة أواخر تشرين أول/أوكتوبر، وحمود عقيل المعتقل منذ ثلاث سنوات. لكن النظام وخلال ساعات سارع إلى تحقيق أحد مطالب الاعتصام قبل حدوثه، إذ كشف رسميّاً عن مقتل شبلي جنود، وأدخل عاطف ملاك شريكاً في جريمة قتله، ما دفع الهيئة إلى إلغاء اعتصامها متحجّجة بتلك المستجدات.


الإعلان الدرامي لوفاة جنّود

احتكرت "شبكة أخبار السويداء" -صفحة إخبارية في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تديرها المخابرات السورية، وتحظى بمتابعة أكثر من 135 ألف شخص- نشر تفاصيل حادثة موت شبلي جنود وفق اعترافات الطبيب عاطف ملاك أمام مشايخ العقل ونقيبي الأطباء والمحامين، والنائب العام وغيرهم من رموز النظام، في إخراجٍ درامي متواضع سرعان ما أعاد إلى الأذهان اعترافات وافد أبو ترابي المنهكة، والمرتبكة أمام عيون النظام التي لم تتغيّر قطّ في الحالتين.

اقترحت اعترافات الطبيب أن يكون الشيخ رأفت البلعوس هو من قام باختطاف شبلي جنوّد بمعاونة شخص يدعى مزيد خدّاج، وأن دور عاطف ملّاك اقتصر على محاولة علاج متأخرة لم تثمر بإنقاذ حياة الرجل، ثم علم بوفاته بعد أربعة أيام. وذكر الطبيب في تلك الاعترافات أن ناصر حمدون وزيدان حمدون، قاما بإخفاء جثة أمين الفرع.


الوقوف على إحدى الضفتين

اختيار الطبيب عاطف ملّاك ليكون شاهداً على موت شبلي جنّود كان عملاً مخابراتيّاً متقناً، إذ لا ينكر المقربون منه علاقته الطيّبة بـ"مشايخ الكرامة". كان هذا كافياً لاختياره وإرغامه على سرد اعترافات بدت نسخة هزيلة التقليد لاعترافات وافد أبو ترابي السابقة، لكن وبعد ساعاتٍ على نشر الاعترافات المزعومة على صفحة "أخبار السويداء" الموالية للنظام، انهالت عشرات التعليقات التي حاولت النيل من "مشايخ الكرامة"، وتوعدت بالانتقام منهم، فيما حرصت الصفحة على تلميع صورة أمين الفرع المتوفى فوصفته بشيخ الشهداء تارة، وبرمز الوطنيّة والشرف تارةً أخرى. ثم أكملت "الإخبارية السورية" الناطقة باسم النظام السوري توسيع نطاق نشر تلك الاعترافات وتعميمها، فاتصلت "شيخ عقل الدروز الأول" حكمت الهجري الموالي للنظام، الذي صادق كما هو مقررٌ له على "كليشة" الاتهام المنسوبة إلى الطبيب عاطف ملاّك، وأقرّ بها، وبأنهُ كان شاهداً عليها.

في وقتٍ لم تنجرّ فيه الصفحات الموالية لـ"مشايخ الكرامة" في "فيس بوك" إلى لغة السباب والتحريض التي لازمت خطاب الصفحات الموالية للنظام. ونشرت صفحة "رجال الكرامة" صورة مدمجة يظهر فيها شبلي جنود إلى جوار الشيخ وحيد البلعوس، وبينهما عبارة "شهيدان والقاتل واحد".


اقتتال محلّي محتمل

طيلة يومٍ كامل جرى تحشيّدٌ غير مسبوق على ضفة المواليين للنظام، الراغبين بالقصاص من الشيخ رأفت البلعوس، بحجة الثأر لأمين الفرع المقتول، الأمر الذي دفع بالكثيرين من مؤيدي حركة "مشايخ الكرامة" صباح الخميس، للتوافد إلى قرية المزرعة لمؤازرة الشيخ.

أما النظام باستطالاته ضمن المؤسسة الأمنية، والدينية المتمثّلة بـ"مشيخة العقل" فيبدو مرتاحاً أكثر من أيّ وقتٍ مضى، بعدما وضع على طاولة مقامرته، ورقة شبلي جنوّد التي تريّث في لعبها حتى هذه اللحظة، مراهناً على ولادة حواملٍ جديدة لنزاعٍ محلّي عنوانه السطحيّ الأخذ بالثأر، لكنه سيرسم واقعياً حدود القوى المحلية المسيطرة، وربما قد ينقلب السحر على  الساحر في ترتيباتٍ لم تكن محسوبةً لديه.