لماذا أهدى بوتين نسخة من القرآن لخامنئي؟

مازن عزي
الخميس   2015/11/26
العقوبات الأميركية، قالت إن النظام يشتري النفط من "داعش"، وروسيا تدعم النظام. (أ ب)
قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، نسخة "من أقدم النسخ الخطية التاريخية للقرآن الكريم"، أثناء زيارته إلى طهران، في 23 تشرين الثاني/نوفمبر.

هدية تحمل مدلولاً استثنائياً: نسخة من أقدم مصحف تعود إلى أهل "الإسلام الحقيقي". فبوتين، لم يقدمها إلى ملك السعودية، أو الرئيس التركي الذي شاركه مراسم افتتاح مسجد موسكو، في منتصف أيلول/سبتمبر. حينها قال بوتين إن "الإسلام دين عالمي عظيم"، ونوّه "بفضل أمة روسيا الإسلامية الكبير في ضمان الوفاق في المجتمع الروسي، وفي تعايش مختلف الأديان والشعوب بسلام فيه".

روسيا الإسلامية، عضو منظمة "التعاون الإسلامي"، أضحت المنطلق الرئيس لإصلاح الإسلام وتنويره، وإخراجه من عصر الظلمات. روسيا بوتين، المولعة بنقد الإسلام، تقسمه، إلى إرهابيين ومعتدلين. ولكن قسمة روسيا بوتين الثنائية للإسلام، تنطلق من محددات استخباراتية-مصلحية؛ من يعادي روسيا وحلفاءها هم "الإرهاب" ومن يواليهم هم "الإسلام الحقيقي".

للصدفة، فإن قسمة بوتين، تتوافق مع أعمق انشقاق داخلي إسلامي: سنة وشيعة. السنة إرهابيون، والشيعة معتدلون، هكذا يكون العالم بالنسبة لبوتين الذي سبق له وحارب "الإرهابيين" في الشيشان، ودمر عاصمتهم غروزني. الحرب في الشيشان، انتهت بانتاج إسلام "كرمليني"، كرنفالي، كرتوني، يدور في فلك الرئيس رمضان قديروف، الذي لم يشك في أن روسيا "تدافع في سوريا عن الإسلام الحقيقي، وليس عن إسلام رجب طيب أردوغان الوصولي والمزيف".

ايقاظ الكرملين لقديروف، كناطق عن "الإسلام الحقيقي"، جاء بعد اسقاط تركيا لطائرة روسية مقاتلة. تلك العملية التي وصفها بوتين بأنها: "طعنة في الظهر من أعوان الإرهاب وستكون له عواقب وخيمة".

الطيران الروسي، كان قد قصف بشكل متوالٍ، ولـ32 ساعة متواصلة، جبل التركمان، قبل أن تسقط تركيا الطائرة. وجبل التركمان تقطنه أغلبية تركمانية سنية، شمال شرقي محافظة اللاذقية.

وتيرة القصف الروسي، لمناطق التركمان والمعارضة السورية، كانت تتصاعد عقب كل تلميح تركي، عن إمكانية إقامة منطقة آمنة في تلك الأرض الخارجة عن سيطرة النظام. صحيح أن الطيران الروسي، لم يشكل تهديداً لتركيا، إلا أنه قصف أرضاً يقطنها تركمان، ما تسبب في اندلاع مظاهرات في تركيا، أمام القنصليات الروسية، للتنديد بجرائم ترتكب بحق إخوتهم في القومية.

روسيا، تريد تجاوز الموضوع الإثني التركماني، مختصرة النزاع مع تركيا في جانبها المذهبي؛ فالتركمان سنة، والسنة إرهابيون. المنطق الصوري لدى بوتين، شديد البساطة، ميكانيكي، لا تداخله شوائب الطبقات والتعقيد الديموغرافي والتحليل الانثروبولوجي. لذا، ورغم أن بوتين اعترف بتفهمه وجود مصالح للدول الإقليمية، إلا أنه هاجم تركيا في إسلامية حكامها.

إسلامية "العدالة والتنمية" هي مشكلة بوتين مع تركيا، فقال: "المشكلة لا تكمن في المأساة التي وقعت.. بل هي أعمق من ذلك بكثير.. القيادة التركية الحالية، انتهجت طيلة سنين، وبشكل هادف سياسة داخلية لأسلمة بلادها، ودعم التيار الإسلامي المتطرف".

بوتين لم يرف له جفن، وهو يهدي نسخة القرآن إلى "آية الله" الخامنئي، عرّاب "العلمانية والديموقراطية" في الشرق الأوسط. لا بل إن تعاوناً استراتيجياً غير مسبوق، يتم مع دولة "ولاية الفقيه"، في مجالات التسلح والصناعات النووية. ولم يتوقف بوتين أمام جحافل المليشيات العراقية الشيعية، التي تقاتل في ريف حلب الجنوبي، بتغطية جوية روسية. أسماء تلك المليشيات، هي منارات على دروب التآخي بين الشعوب، ونشر المحبة والوئام: "كتائب حزب الله العراق" و"لواء النجباء" و"لواء فاطميون" و"لواء زينبيون" و"كتائب أبو الفضل العباس". كتائب مارست عمليات ذبح وقتل وتنكيل، بحق السنة في العراق وسوريا، وكانت المعادل الموضوعي الشيعي لتنظيم "الدولة الإسلامية" السني، في مقدار التوحش والحقد.

في المقابل، سعى أردوغان إلى التركيز على الموضوع الإثني، فقال: "منطقة بايربوجاق، ذات الغالبية التركمانية، لا يوجد فيها أي من عناصر تنظيم داعش الإرهابي، ولا داعي أن نخدع بعضنا بعضاً، إن بايربوجاق يسكنها التركمان فقط، الذين هم أشقاؤنا وأقرباؤنا، إنهم يتعرضون لقصف من قبل الروس، الذين يدّعون أنهم يقصفون داعش".

أردوغان حاول إعادة الصراع مع روسيا إلى مربعه الإثني: الدفاع عن التركمان كأخوة في العرق. الدين هنا، تنحى لصالح الإثنية، من وجهة نظر زعيم "العدالة والتنمية" الإسلامي. فأكد أردوغان أن "تركمان بايربوجاق يقومون فقط بالدفاع عن أراضيهم"، مشيراً إلى أن "تركمان بايربوجاق وحلب وحمص ودمشق والجولان، يحملون أهمية خاصة بالنسبة لتركيا، بسبب صلة القرابة الوثيقة".

لكن ذلك، لا يتوافق مع وجهة نظر الكرملين: التركمان سنة، والسنة إرهابيون. بل دعا بوتين "المجتمع الدولي" للتكاتف في "مواجهة الشر المشترك الذي هو شر الإرهاب". وأشار إلى العلاقة بين الإرهاب والحكومة التركية، فروسيا "سجلت منذ وقت طويل وصول كميات كبيرة من النفط ومنتجاته إلى تركيا من الأراضي المسيطر عليها من قبل داعش، وأن تركيا ظلت مصدراً هاماً لتغذية العصابات الإرهابية في الأموال". وأضاف بوتين: "ثمة دول تقدم لهم حماية مسلحة، فيتضح من ذلك سبب وقاحة تصرفاتهم".

بدوره، رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، اتهم مسؤولين في الحكومة التركية بالارتباط بمصالح اقتصادية مع تنظيم "الدولة الإسلامية" عبر بيع النفط. إلا أن وزارة الخزينة الأميركية، أصدرت الأربعاء، قراراً جديداً فرضت فيه عقوبات على جهات بتهمة دعم الحكومة السورية، عبر تسهيل عملية شراء النفط من منشآت تتبع لتنظيم "الدولة".

العقوبات الأميركية شملت رجل الأعمال السوري جورج حسواني، الذي اتهمته الوزارة الأميركية بالعمل نيابة عن الحكومة السورية عبر شركته من أجل شراء النفط من "الدولة الإسلامية" لصالح الحكومة السورية. وفُرضت عقوبات على مدلل خوري، وبتول رضا، بتهمة "متابعة مصالح مالية واقتصادية للنظام السوري في روسيا والتوسط لشراء مادة نيترات الأمونيا". وشملت العقوبات رجل الأعمال والرئيس السابق لجمهورية كالميكيا الروسية، كيرسان ايليومجينوف، المتورط في الوساطة بين الجانب السوري وشركات روسية.

العقوبات الأميركية، قالت بإن النظام يشتري النفط من "داعش"، وروسيا تدعم النظام. وبمتابعة منطق بوتين الصوري: "النظام" يدعم "التنظيم"، وروسيا تدعم "النظام"، ما يؤكد أن منافع اقتصادية وسياسية، قائمة بالفعل بين روسيا و"التنظيم".

في منطق بوتين المقلوب؛ سيصبح ممكناً الحديث أن روسيا تستهدف المعارضة السورية المسلحة، لتحمي ظهر تنظيم "الدولة الإسلامية" من عدوها الحقيقي. ومهما علا صوت بوتين، عن "طعنة في الظهر" تلقاها من تركيا التي تدعم "الإرهاب"، فإن ذلك، لن يخفي حقيقة احتفائه وسعادته، بـ"حرب مقدسة" يشنها في سوريا، دفاعاً عن "الدولة الإسلامية".