مصر: ويلٌ لمن يهين السيسي!

القاهرة - محمد فوزي
السبت   2014/08/30
جامعة بني سويف: الفصل النهائي من الجامعة لأي طالب يسيء إلى رئيس الجمهوية (أ ف ب)

في العام 1909 بدأت أول ملاحقة لصحافي في مصر بتهمة إهانة "الذات الملكية". وبعد رحيل الملك فاروق، وتأسيس جمهورية مصر العربية، استحدثت "الجمهورية" المصرية الجديدة اتهاماً يليق بالتحول من الملكية الى الجمهوريات الديموقراطية فكان الاسم "إهانة الرئيس". الصحافي أحمد حلمي المتهم بإهانة الذات الملكية في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني (جد الشاعر الراحل صلاح جاهين بحسب تقرير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان المهتمة بحرية الرأي والتعبير) كان بداية رحلة صراع طويلة بين الحاكم والكلمة.

كان هذا في الماضي، أما في مصر 30 يونيو/حزيران، فالصراع انتقل من الصحف ومنابر الاعلام الى ساحات الجامعات وقاعات الدراسة، بعد قرار مجلس جامعة بني سويف "وضع ضوابط صارمة منها الفصل النهائي من الجامعة لأي طالب يسيء إلى رئيس الجمهوية أو لرمز من رموز الدولة، مع تطبيق القواعد الخاصة بحظر التظاهرات داخل حرم الجامعة". خطوة أولى من جانب الجامعة شجعت قوات الأمن ببدء ملاحقة أكثر من 300 طالب، يقال إنهم ينتمون لجماعة الاخوان المسلمين، بتهمة إهانة رموز الدولة تمهيداً لفصلهم.


يمكن توصيف هذا القرار الصادر من جامعة صغيرة مقارنة بجامعة القاهرة أو عين شمس وغيرهما، بأنه "ضربة استباقية" من جانب الدولة لطلبة الاخوان فى الجامعات المصرية. فما حدث العام الدراسي الماضي، أصاب النظام الأمني "القوي" بالذعر، وخصوصاً بعد إغلاق أكثر من جامعة (الأزهر والقاهرة والمصورة وعين شمس) بسبب تظاهرات الطلبة.


اللافت فى القرار أنه عقب قرار المجلس الأعلى للجامعات بتأجيل الدراسة فى الجامعات إلى 12 أكتوبر/تشرين الأول- بعد اجازة عيد الأضحى-  بدلاً من 20 سبتمبر/ أيلول، برر وزير التعليم العالي القرار بأن تقارير "وصلته من رؤساء الجامعات الحكومية عن استعداداتهم للدراسة، أثبتت أن المدن الجامعية غير مهيئة لاستقبال الطلاب وهو ما يستدعي تأجيلها".


من جانبها، قالت حركة "طلاب ضد الانقلاب"، المحسوبة على جماعة الاخوان، في بيان لها ردا على قرار التأجيل :" كنا نعلم أن الدولة لن تستطيع مواجهتنا، وستفضل تأجيل العام الدراسي على أن تواجه طوفان التظاهرات السلمية المقرر أن يبدأ مع بداية الدراسة". وأضاف البيان: "نحن نقول لهم إنه مهما أجلتم موعد بدء الدراسة، هذا لن يغير في الأمر شيئاً، ولكن تجعلونا أكثر استعداداً وأكثر انتشاراً في الشوارع التي تعد ميداننا الأساسي". وتابع البيان: "حتى العودة، نعدكم بالمزيد من التصعيد واستمرار سرد البطولات في كل مكان".


لكن فات وزير التعليم العالي الإشارة الى التقاريرالأمنية التي وصلت من وزارة الداخلية وطالبته بالتأجيل نظراً لعدم استعدادها لمواجهة التظاهرات الطلابية المتوقعة، وسردت التقارير، بحسب ما ذكر مصدر لـ"المدن"، ما شهدته أغلب الجامعات في العام الدراسي الماضي الذي بدأ في سبتمبر/ أيلول، مواجهات شبه يومية بين الشرطة وطلاب معارضين، تخلل بعضها اشتباكات بين الطرفين، سقط فيها قتلى وجرحى، وتعرض بعض الطلاب للفصل من جامعاتهم نتيجة مشاركتهم بتلك التظاهرات، فيما قامت إدارات الجامعات بالفصل على خلفية مشاركة الطلاب في أعمال شغب وعنف بالجامعات، بحسب ما جاء في تلك التقارير.


المصادر قالت لـ"المدن" إن قرار ملاحقة وتجريم "إهانة السيسي" في الجامعات، يقف وراءه رئيس احدى الجامعات، الذي كان يعمل ضمن الحملة الانتخابية للسيسي وأن القرار خرج من جامعة صغيرة حتي يتم تعميمه على باقي الجامعات المصرية لقطع الطريق على طلبة الاخوان وكل المعارضين لسياسات الرئيس.


وذكرت المصادر أن التقارير الأمنية أشارت الى أن حالة الغضب مما جرى فى العام الماضي لطلبه الجامعات، ما زالت موجودة، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية المتردية. ولفتت المصادر أنه مع تحجيم التظاهر بقانون التظاهر، المسجون على ذمته الناشط علاء عبدالفتاح لمدة 15 عاماً، ليس هناك مكان للاعتراض والتعبير عن الغضب سوى الجامعات، وهو ما عجل بقرار ملاحقة من يُتهم بإهانة الرئيس أو رموز الدولة وتأجيل الدراسة.


مراقبون توقعوا حملة اعتقالات واسعة في صفوف قادة تظاهرات العام الماضي بالجامعات مع تشديد عقوبات التظاهر، بإضافة  تهم أخرى مثل الشغب واتلاف الممتلكات وتعريض حياة المواطنين للخطر، والتعدي على موظفين أثناء تأدية مهام عملهم، مما يعني أن الدولة قررت التصدي بيد حديدية لأي محاولة احتجاج على سياساتها القمعية الجديدة. وهو ما حدث بالضبط مع ناشط رفع لافتة في ميدان طلعت مكتوب عليها "طلِعْت كدّاب يا ريس"، إذ وجهت له  النيابة مجموعة اتهامات، من بينها اهانة رئيس الجمهورية، التجمهر، البلطجة، وخرق قانون التظاهر، وتعطيل حركة السير بالطريق العام، رغم ان الرجل كان يقف وحيداً.


تقف مصر الآن على أعتاب فترة جديدة، الاحتجاج فيها على الظلم بلطجة، والاعتراض على التجاوزات خرق للقانون، والنقد إهانة لرموز الدولة، لذلك لا بد للمصريين من الانتباه أثناء التحدث عن الرئيس، حتى لا يجد نفسه مسجوناً بتهمة "إهانة الذات السيساوية".