السيسي.. كنز استراتيجي جديد لإسرائيل؟

إسماعيل الإسكندراني
الثلاثاء   2014/06/10
صار لإسرائيل الآن شريك استراتيجي بدرجة رئيس جمهورية يمثل الحليف الوفيّ ضد العدو الجهادي المشترك (أ ف ب)
أخيراً، تم تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، مزفوفاً بأحلام المتطلعين إلى "ناصر" جديد يقوم من مرقد الخمسينيات والستينيات ليبعث الأحلام الوطنية المفقودة، والأمجاد العروبية المتعثرة. صدحت أغاني عبد الحليم حافظ "الناصرية" تحت شمس القاهرة القائظة، وأقيمت المراسم المهيبة، بينما كان عبد الحليم يحلف بسماها وبترابها. أما الرئيس الجديد فقد كانت له ترتيبات "ساداتية" مختلفة، ولم ينقض اليوم، حتى عبّر عنها بوضوح. وبضمّها إلى شواهد أخرى، يثار سؤال عن استحقاق السيسي لقب "الكنز الاستراتيجي لإسرائيل" خلفاً لحامله الأول، حسني مبارك.

كان نصيب أسرة جمال عبد الناصر من مقاعد الجلوس في حفل التنصيب، متأخراً كثيراً عن مقاعد أسرة السادات، لكن أحداً لم يلتفت لهذه الدلالة، فضلاً عن الجرأة على فتح النقاش في التيار الرئيسي لوسائل الإعلام. لم يكف السيسي، ما أشار إليه سابقاً من رسوخ معاهدات مصر الدولية، في الصيغة السائد استعمالها للكناية عن اتفاقية "كامب ديفيد" ومعاهدة السلام مع إسرائيل. فانطلق متبنياً اللغة "الساداتية" في خطاب تنصيبه المليء بالأخطاء النحوية، متحدثاً بكل صراحة عن "القدس الشرقية" كعاصمة لدولة فلسطين المأمولة.

قبيل تنصيبه رسمياً بيومين، فوجيء مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر الصفحة الرسمية لعبد الفتاح السيسي على "فايسبوك"، واقعة تلقيه اتصال من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونائبه لتهنئته بفوزه الكاسح. لم يكن مستغرباً أن يتلقى الاتصال، بل الصادم هو الصيغة التقريرية الاعتيادية، والتي توحي للوهلة الأولى بخطأ كتابي وقع فيه محرر الصفحة، مستبدلاً اسم دولة عربية "شقيقة" وملكها أو أحد أمرائها، باسم دولة "أولاد العم" ورئيس وزرائها. لكن المحرر لم يخطيء، وكانت المكالمة الحميمة بين رأس الحكومة الإسرائيلية المتوسعة في الاستيطان، ورأس الدولة المصرية الحليفة، حول ما يسمى الحرب على الإرهاب في سيناء.

بالرجوع أشهر للخلف، نجد في تقرير الصحيفة الإسرائيلية "هآرتس"، عن الضغوط الإسرائيلية الاستثنائية، على الإدارة الأميركية لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر وفك تجميدها، تفسيراً وبياناً. فالصحيفة نشرت تقريراً مفصلاً، وقد اقتبست فيه تصريحاً من أحد كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، يشرح فيه الفكرة الرئيسية التي يروّجها الإسرائيليون في واشنطن. بعدها بثلاثة أشهر تقريباً، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأميركية، الإفراج عن دفعة من مروحيات الأباتشي المقاتلة لدعم الجيش المصري في الحرب على الإرهاب في سيناء، وشارحاً بأن ذلك "من أجل المصلحة الأمريكية المصرية الإسرائيلية المشتركة".

المهم في التقرير المشار إليه، اتضاح ملامح الصفقة المصرية الإسرائيلية، بعد استيلاء الجيش على مقاليد السلطة في مصر، في 3 تموز/ يوليو 2013. وعلى الرغم من وضوحها المبكر للسكان العاديين المحليين في سيناء، إلا أن مثقفي العاصمة ومحلليها السياسيين استغرقوا بضعة أشهر، حتى فهموا ارتباط ما يرتكبه الجيش من عقوبات جماعية عشوائية في سيناء ضد أغلب السكان، وبين دور تل أبيب في الضغط على بروكسل وواشنطن كي لا يتم اعتبار 3 تموز/ يوليو انقلاباً عسكرياً. لكن الفريد في التقرير، كان الإفصاح لأول مرة عن الوفد العسكري المصري رفيع المستوى الذي زار القدس وتل أبيب للمشاورة وعقد بعض الاجتماعات.

استغرقت الزيارة، وفقاً للصحيفة الإسرائيلية، أسبوعاً ضم جولات تعريفية بالمجتمع الإسرائيلي. وبعيداً عن أجواء العلاقات العامة، لن يكون من التعسف ربط هذه الزيارة الطويلة نسبياً، مع الشهادات اللاحقة للمحليين في سيناء، حول تمييزهم صوت طائرات "درون" بدون طيار، استخدمت في قصف أهداف أو استهداف أشخاص في المنطقة الحدودية من شمال سيناء. ولا يوجد حتى الآن، ما يؤكد شراء الجيش المصري طائرات بدون طيار إسرائيلية، لكنه الاحتمال الأخف وطأة من الافتراض بأن إسرائيل تقوم بهجمات مشتركة ضد أهداف على الأراضي المصرية، بالتنسيق مع الجيش "الصديق" ضد "العدو المشترك". أما الاحتمال الأضعف فهو شراء مصر طائرات من دون طيار من مصدر آخر، وهو أمر مستبعد لما فيه اشتراط تغيير خريطة التسليح النوعي للجيش المصري وإرباك التنسيق العسكري رفيع المستوى مع الجانب الإسرائيلي في ما يخص العمليات في سيناء.

اكتملت الرسالة يوم التنصيب. وصار لإسرائيل الآن شريك استراتيجي بدرجة رئيس جمهورية يمثل الحليف الوفيّ ضد العدو الجهادي المشترك، ويتبنى الخطاب "الساداتي" المولود من رحم كامب ديفيد. بعبارة أخرى، عاد نظام 1979 منتصراً على مشروع 2011 المجهض المبتسر.