مؤتمر أربيل: المأزق السني مستمر

عبد الامير الركابي
السبت   2014/12/20
واشنطن ليست مهتمة بإقامة "حرس وطني" خاص بالمحافظات السنية (أ ف ب)

تحول مؤتمر ممثلي المحافظات السنية، الذي انعقد في أربيل، الخميس الماضي، إلى مناسبة جسدت حزمة  التخبطات والفِخاخ التي سبق الانسياق إليها تباعاً. ومع التصريحات الممهدة للمؤتمر ومكان انعقاده، تكرر بقوة حضور ورطة ما يسمى "المكونات" العراقية مجتمعة، كل من موقعه، ما يفصح العجز عن تبني وجهة تستجيب لمقتضيات الانتماء الوطني قبل الفئوي، او حتى حسن التعبير عن مصالح المكون نفسه، الامر الذي تشترك فيه المكونات الرئيسية الثلاث، لتنجم عنه في الحصيلة، أزمة وطنية، ومأزقٌ يتعمق باضطراد، معرضاً الإنتماء للعراق إلى الخطر، ومحفزات عودة آليات التشكل الوطني إلى التعطيل.

أول ما أثار الاستغراب هو مكان عقد المؤتمر، فالانتقال من عمّان، حيث انعقد المؤتمر الاول تحت وطأة سقوط الموصل، إلى أربيل، اثار علامات استفهام،  خصوصاً أن رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، اطلق قبل ايام تصريحات تتهم السنة العراقيين بالعداء للأكراد، ورغبتهم بتدمير الاقليم الكردي. وفي كركوك نشبت قبل يوم من عقد المؤتمر معركة بين مجموعة من الطلبة في احدى المدارس، عندما انزل طالب كردي علم العراق، ليرفع علم كردستان، فتصدى له العرب من الطلاب (كلهم من السنة)، ما أدى إلى تلاسن واشتباك سقط على إثره جرحى. وفي الفترة نفسها، تحدثت الانباء عن توافقات سرية بين "داعش" وقوات البيشمركة، عقدت في اكثر من مكان، منح بموجبها مقاتلو "داعش" في المناطق التي يحاصرونها، ممرات امنة للخروج، او الانتماء الى "الحرس الوطني"، الذي يكثر الحديث مؤخراً عن تشكيله في المحافظات التي تهيمن عليها "داعش" بعد تحريرها. وهذا المناخ، وضع المؤتمر وسط اجواء سوريالية، وكرّس الانطباع بأن المايسترو الفعلي لهذا التحرك، هو الطرف الاميركي.


في هذا السياق، نقلت وسائل إعلام عديدة عن مصدر سياسي عراقي قوله إن "الولايات المتحدة ودولاً عربية مهمة تسعى إلى توحيد القوى والفصائل السنية المسلحة والعشائر، تمهيداً لعقد مؤتمر موسع على غرار مؤتمر عمان الذي عقد قبل شهور، وتمثلت فيه فصائل وجهات معارضة للعملية السياسية". والمعلوم أن وفداً كان قد وصل إلى واشنطن اشتركت فيه جهات سنية متعددة، حضر للبحث عن تنسيق مع المسؤولين الاميركيين. وعلى إثر ذلك صدر عن عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر أربيل، عبد ذياب العجيلي، بيان صحافي، جاء فيه "ان المؤتمر العربي لمحاربة الإرهاب والتطرف للمحافظات المتضررة، وهي نينوى، صلاح الدين، كركوك، ديالى وبغداد، سيعقد في أربيل" ولفت إلى أن المؤتمر سيعقد "بحضور شخصيات من تلك المحافظات، ووزراء ونواب وأعضاء مجالس المحافظات، وشيوخ عشائر وأساتذة جامعات، فضلاً عن شخصيات سياسية عراقية، وأخرى حكومية، وبعض أعضاء السلك الدبلوماسي".


المصدر السياسي العراقي الذي تناقلت وسائل الاعلام تصريحاته قال إن "وسطاء عرباً عقدوا، خلال الأسبوعين الماضيين، لقاءات عدة مع عدد من قادة فصائل وشيوخ عشائر في الأردن وأربيل لتسوية الخلافات بينهم، ودعوهم إلى التفكير في مستقبل مدنهم بعد طرد داعش منها". وأضاف أن الوسطاء "نقلوا إلى المجتمعين رسالة عربية مهمة مفادها، أن بقاء الخلافات بين المكونات السنية، سيفتح المجال أمام جهات أخرى لملء الفراغ، وعودة القوات الاتحادية إلى الإمساك بالملف الأمني".


الحافز الذي حمل الاطراف المحركة والمنظمة على الدفع باتجاه عقد الموتمر، يتقاطع مع تخوفات القيادة الكردية من احتمال استعادة الحكومة الاتحادية السيطرة على المحافظات الخارجة عن سيطرتها، ما سيتبعه حكماً انتقال المجابهة الى المناطق المتنازع عليها، وأولها كركوك، التي انتهز الأكراد فرصة انسحاب القوات الحكومية منها ليقوموا باحتلالها.


رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، أعلن عن رفضه حضور المؤتمر، في حين ألقى نائب رئيس الجمهورية، أسامة النجيفي، كلمة في المؤتمر تحدث خلالها بصراحة عن "إقليم المحافظات السنية" رافضاً الاتهامات المسبقة. ومن الجدير بالذكر هنا، أن النجيفي ينظر إليه كمتبنٍ لمشروع نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، المتضمن تقسيم البلاد الى ثلاث فدراليات، وهو ما يرفضه بقوة غالبية السنة، لاسيما في الانبار وبغداد وديالى، وحتى في صلاح الدين والموصل، التي ينحدر منها النجيفي.


الأمريكيون، وفق تقارير لصحيفة "واشنطن بوست"، ليسوا مهتمين جدياً بإقامة "حرس وطني" خاص بالمحافظات السنية، فتركيزهم منصب على اقامة قوة تحرير الموصل من "داعش"، على ان تكون مستقلة عن الجيش الاتحادي، ويقال إن تشكيلها سيبدأ في الربيع المقبل. وإذا هم أجازوا المؤتمر الحالي، فذلك لاعتبارات إعلامية من ناحية، ولتوفير هيكل سياسي ما، يمثل الحد الادنى من اتفاق الاطراف والعشائر السنية المتباينة الاراء، من ناحية ثانية.


أما مهمة تحرير المناطق التي احتلتها "داعش"، فالقوى التي حضرت المؤتمرخارجها تماماً، بينما القوى المرشحة، التي تتنافس على تلك المهمة، هي الحكومة المركزية، والاميركيون. والأخيرون متحالفون مع البيشمركة الكردية، وكل من هؤلاء، إذا حقق الهدف وطرد "داعش"، سيعمق ازمة خيارات وقدرة المكون السني العربي على الاضطلاع بالمهام المناسبة لحجمه، الأمر الذي يزيد من ورطة هذا المكون بين "داعش" والمركز، أكثر مما يساعده على تعزيز مكانته وطنياً، عدا عن أنه سيكرس الاختلال الوطني العام ويعمقه.