وسطيو تونس في صحوة متأخرة لتشكيل جبهة سياسية موحدة

بسمة بوزكري
الجمعة   2014/12/19
أعلن خمسة من أعضاء الحزب الجمهوري انسحابهم من الحزب ودعمهم للباجي قائد السبسي (أ ف ب)

يبدو أن "العائلة الديموقراطية" في تونس بدأت بمراجعة حساباتها بعد الفشل الكبير الذي حققته الأحزاب الوسطية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو ما دعا عدداً من هذه الأحزاب مؤخراً إلى التشاور في ما بينها بهدف تشكيل تكتل جديد على غرار التكتل اليساري "الجبهة الشعبية"، التي نجحت في حجز مكانها كثالث أكبر قوة سياسية في البلاد.

القيادي في الحزب "الجمهوري" التونسي وسام الصغيّر أكد لـ"المدن" وجود مشاورات "غير رسمية" بين بعض الأحزاب الديموقراطية التي تمتلك خصائص سياسية وثقافية واجتماعية مشتركة لتقريب وجهات النظر، ووضع أرضية مشتركة عبر جبهة، أو ائتلاف وسطي، يسعى لفرض نفسه كقوة سياسية جديدة خلال الأشهر المقبلة.


التكتل الوسطي الجديد سيرى النور قريباً عبر مباردة ستطلقها حوالي ستة أحزاب وسطية، تدعو من خلالها مختلف الأحزاب الديموقراطية في البلاد للانضمام إليها. ويشير الصغير إلى أن هذه المبادرة ستقدم تصوراً جدياً لمشروع مجتمعي وبرنامجاً اقتصادياً طموحاً، وسياسات عامة في إطار رؤية متقاربة.


المراقبون يرحّبون بالفكرة عموماً، وخاصة في ظل فشل أغلب الأحزاب الديموقراطية بتحقيق أي نتائج في الانتخابات التشريعية، إذا استثنينا النتيجة الهزيلة لكل من أحزاب "المؤتمر" و"التيار الديموقراطي" و"الجمهوري"، لكنهم يشكّون في المقابل بنجاح هذه المبادرة في الوقت الحالي، وخاصة بعد فشل القوى الديموقراطية سابقاً في تشكيل تكتل انتخابي موحد في الانتخابات التشريعية، ومن ثم عدم الاتفاق على دعم مرشح واحد في الانتخابات الرئاسية إثر فشل مبادرة "الرئيس التوافقي" التي أطلقها رئيس حزب "التكتل" مصطفى بن جعفر.


الحزب "الجمهوري" الذي شارك في مبادرة بن جعفر قرر مؤخراً اتخاذ موقف محايد تجاه مرشحَي الرئاسة، الباجي قائد السبسي ومنصف المرزوقي، تاركاً لأنصاره "حرية الاختيار وفق ما تمليه عليهم ضمائرهم وقناعاتهم الديموقراطية"، وهو ما اعتبره البعض خروجاً على البيان الصادر عن المبادرة، والذي يقضي بدعم الأحزاب الديموقراطية لمرشحها في الدور الأول على أن يتم دعم مرشح واحد في الدورة الثانية.


الصغيّر يوضح هذا الأمر بقوله "نحن حضرنا المناقشات التي تمت في إطار مبادرة بن جعفر، لكننا لم نمضِ على البيان الصادر عنها إثر فشل المجتمعين في دعم مرشح واحد في الدور الأول، وبالمقابل نحن رفضنا الخوض في الاستقطاب الثنائي والتصادم بين حملتي المرشحين المرزوقي وقائد السبسي، وطالبناهما بالكف عن هذا الأمر كونه لا يخدم مصلحة البلاد".


موقف الحياد الذي اتخذه "الجمهوري" يبدو أنه لم يرق لجميع أعضائه، حيث أعلن خمسة منهم انسحابهم من الحزب ودعمهم للباجي قائد السبسي على اعتبار أنه "الخيار الوحيد القادر على توفير الاستقرار السياسي والأمني لتونس طيلة السنوات الخمس القادمة".


الصغيّر يعلق على هذا الأمر بقوله "كانت هناك وجهات نظر مختلفة في المكتب السياسي للحزب، بين من يرى ضرورة دعم السبسي باعتباره يحافظ على المشروع المجتمعي، الذي نتقارب معه في بعده التقدمي والديموقراطي، لكننا نختلف معه في ما يتعلق بتاريخه السياسي ورؤيته للحداثة كمفهوم ثقافي، وبين من يدعو للتصويت للمرزوقي". ويضيف "لكن الأغلبية اتفقوا أخيراً على ترك حرية الاختيار للناخبين ورفض التخندق في صف أي طرف، لذلك خرجنا بموقف موحد لدعم حرية الاختيار، لكن ما راعنا أن عدداً من الأخوة لم يرق لهم هذا الخيار والعملية الديموقراطية فقرروا الاستقالة، للأسف، ولكن هذه هي السياسة (انخراطات وانسحابات موجودة في جميع الأحزاب الديموقراطية)".


الصغيّر يدعو أيضاً إلى تشكل حكومة وحدة وطنية في إطار ائتلاف واسع يضم جميع القوى السياسية المؤثرة في البلاد، ويطرح برامج عملية لمجابهة استحقاقات المرحلة المقبلة والمشاكل التي تمر بها البلاد، مشيراً إلى أن حزب "نداء تونس" من حقه تشكيل حكومة بمفرده، لكنه يشير بالمقابل إلى أن عزل "شق آخر مهم، هو النهضة، لن يترك إمكانية لاستقرار مؤسسات الديموقراطية، ولن يمكن الفريق المنتصر بالمركز الأول (النداء) من تشكيل أغلبية مريحة، بل ستكون أغلبية مرتبطة بالهزات السياسية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي ستعيشها تونس".


ولا يستبعد الصغيّر مشاركة حزبه في الحكومة المقبلة في حال تمت دعوته من قبل "نداء تونس". في هذا السياق يقول "نحن لم تحركنا، طيلة مسارنا السياسي، مصلحتنا الحزبية، لكننا سندعم أي مشروع في إطار وحدة وطنية حقيقية من داخل الحكومة أو من خارجها، فهمنا الوحيد طرح تصور وتوجه سياسي يخدم مصلحة تونس".