هل تنجح روسيا بإقناع الأسد التخلي عن إيران؟

حسين عبد الحسين
الثلاثاء   2014/12/16
الحل الروسي يستعيد مبادرة، يقول بعض المسؤولين الأميركيين، إن قطر وتركيا قدمتاها في الاسابيع الأولى للثورة (أ ف ب)

النشاط الذي يقوم به نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف، يأتي، في معظمه، بالتنسيق مع واشنطن، وهو يهدف لاستكمال الحل السياسي في سورية بإقامة "مؤتمر موسكو"، ويكون مبنياً على مقررات "جنيف 1" و"جنيف 2 " ويكون بمثابة "جنيف 3". الحل الروسي يستعيد مبادرة، يقول بعض المسؤولين الأميركيين، إن قطر وتركيا قدمتاها في الاسابيع الأولى للثورة وتقضي بمصالحة بين الرئيس السوري بشار الأسد ومعارضيه، يتخلى بموجبها عن بعض صلاحياتها، وربما يتحول الى رئيس لحكومة وحدة وطنية.

المسؤولون الأميركيون يقولون ان الأسد كلف في حينه نائبه فاروق الشرع بالتواصل مع معارضين في دمشق كخطوة أولى لحل سياسي، لكن طهران أوفدت أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، سعيد جليلي، الذي قال للأسد ان أي تنازل للمعارضة سيراه البعض كمؤشر ضعف، وسيدفع المعارضين الى تقديم المزيد من الطلبات التي لن تتوقف قبل خروجه نهائيا من الحكم، على غرار ما حصل مع رئيس مصر السابق حسني مبارك. ووعد جليلي بالتزام إيران بالقضاء على المعارضة كليا وإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة في آذار/مارس 2011، مثلما فعلت إيران بقضائها على "الثورة الخضراء".


بعد ثلاث سنوات من المواجهات الدموية المسلحة، ضعف الأسد عسكرياً إلى الحد الذي صار يعتمد وجوده بالكامل على إيران والميليشيات اللبنانية والعراقية الموالية لها. ومع ان طهران تعتقد انه يمكنها القضاء التام على المجموعات المسلحة في سوريا، الا ان موسكو صارت تعتقد انه هدف لا يمكن تحقيقه، بل ان إطالة الحرب السورية يساهم في إعطاء فرصة أكبر للمعارضة المسلحة، وخصوصاً المتطرفة منها مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة"، في تطوير قدراتها وشبكاتها المالية، وتسمح لها بالمزيد من التجنيد.


لذا، ينقل المسؤولون الأميركيون عن نظرائهم الروس قولهم ان الهدف الوحيد في سوريا حاليا يجب ان يكون وقف القتال، وبَدءُ الحوار المباشر بين نظام الأسد والمعارضة السورية المعتدلة لتشكيل حكومة انتقالية يكون هدفها الأول القضاء على التنظيمات المتطرفة مثل "داعش" و"النصرة"، وهو ما يتطلب عقد "مؤتمر موسكو".


لكن مشاركة المعارضة في أي حكومة يتطلب بعض التنازلات من الأسد، كبيرة كانت ام صغيرة، وهو ما ترفضه تماما طهران، وتحاول موسكو اقناع الأسد بضرورته لأن الحل على الطريقة الإيرانية يذهب في درب لا تحمد عقباها.


وفي الوقت الذي تتنافس فيه موسكو وطهران على رعاية الأسد ونظامه، يزداد الأمر تعقيدا مع قرار واشنطن "الوقوف على خاطر" إيران في أي خطوة تقوم بها في سوريا. من هذا القبيل، لم تبدأ أميركا حملتها الجوية ضد "داعش" و"النصرة" داخل سوريا، قبل إخطار النظام بشكل غير مباشر، حتى يطفئ أجهزة دفاعه الجوية ويسمح للمقاتلات الأميركية بالاغارة على هواها، بل إن نظام الأسد كال المديح للحملة الأميركية.


وقبل أسابيع، أرسل وزير الدفاع الأميركي المستقيل، تشاك هيغل، بريداً إلكترونياً الى مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، تساءل فيه عن موقف المقاتلات الأميركية في حال هاجمت قوات الأسد قوات المعارضة، التي تنوي واشنطن تدريبها وتأمين الغطاء الجوي لقتالها ضد "داعش" و"النصرة". "ان حصلت مواجهة بين قوات المعارضة حليفتنا وقوات الأسد، هل نقدم الدعم الجوي للثوار ضد الأسد كما نقدم لهم ضد داعش؟" تساءل هيغل، ليأتيه الجواب من الرئيس باراك أوباما بالطرد.


إذا، لا عداء أميركيا ضد الأسد، والموقف الوحيد المطالب بتنحيه هو نزولا عند رغبة حلفاء أميركا العرب والترك. لكن الموقف الأميركي ضد الأسد لا يعني ان أوباما ينوي القيام بأي ما من شأنه الإطاحة بالرئيس السوري، وهو ما يعني ان لموسكو حرية اقناع المعارضة بدخول تسوية مع الأسد تفضي الى مواجهة الاثنين لـ"داعش" و"النصرة".


مشكلة أخرى تكمن في محاولة روسيا إبقاء الدول العربية، كما إيران، خارج أي حل، فيما تعتقد أميركا نفسها مجبرة بأخذ رأي حلفائها بعين الاعتبار. ربما يرضى الحلفاء العرب بتنازلات يقدمها الأسد ولا ترضى إيران، وقتذاك يتحول الروس الى راعين للأسد ونظامه، ويمكن ان يؤدي اخراج إيران من المعادلة الى وقف المواجهة المسلحة.


على ان المشكلة الأكبر التي قد تواجه "مؤتمر موسكو"، في حال انعقاده، هي سلسلة الانتصارات التي حققتها مؤخرا "النصرة" ضد المعارضة المعتدلة والأسد، فإذا ما أصبحت سوريا تحت سيطرة الأسد و"داعش" و"النصرة"، يصبح "مؤتمر موسكو" لا فائدة منه، اذ يصعب تطبيق قراراته بغياب لاعبين من الثلاثة الكبار. لكن يبدو ان روسيا تأمل في ان تستغل عداء أميركا لـ"داعش" و"النصرة" لمحاصرة هاتين المجموعتين مالياً وسياسياً وعسكرياً، ما يسمح لجبهة مؤلفة من نظام الأسد والمعارضة المعتدلة بالقضاء عليهما.


لكن أميركا، كما المعارضة السورية المعتدلة، تشترطان خروجاً، أو شبه خروج للأسد من الحكم مقابل بقاء نظامه وتنفيذ السيناريو الروسي، فيما يبدو ان موسكو تثق بمهارة ديبلوماسيتها الى درجة يمكنها تمييع هذه الخلافات الجوهرية وطمسها. الأميركيون لا يعتقدون ان الروس سينجحون في مساعيهم، وان مفتاح الحل السوري أصبح في يد إيران منذ فترة. لكن مؤتمراً في موسكو حول الأزمة السورية من شأنه ان يظهر وكأن أميركا مازالت تهتم وتقوم بما شأنه انهاء الأزمة. الشكل عند الأميركيين اليوم اهم من المضمون، ويبدو الأمر كذلك عند الروس الذين يعتقدون ان عقد مؤتمر في موسكو من شأنه تقديم روسيا وكأنه قوة عالمية فاعلة. وحدها طهران تحارب كثيراً في سوريا وتتكلم قليلاً عنها.