"انتفاضة الشباب المسلم" أم مذبحة جديدة؟

إسماعيل الإسكندراني
الثلاثاء   2014/11/25
ويتسم خطاب السلطة بدرجة عالية من "الهيستيرية"، مع استنفار شديد في صفوف قوات الجيش والشرطة. (أ ف ب)
انطلقت دعوات متعددة للتظاهر، يوم الجمعة 28 تشرين الثاني/نوفمبر، تحت عنوان "انتفاضة الشباب المسلم"، قابلها على الناحية الأخرى خطاب ترهيبي متحفز من قوات الأمن، وحملات دعائية في الصحف تتهم الحراك المرتقب بكونه مؤامرة "إخوانية – تركية – حمساوية". ويحبس الجميع الأنفاس، في تربص مشوب بالتوجس، بعد رؤية رايات تنظيم الدولة الإسلامية في مظاهرات الجمعة الماضية، وسماع هتافات مؤيدة للتنظيم، على إيقاع هتاف مجموعات الألتراس "أوووه داعش".

بدأت الدعوة بإعلانٍ مسجل، يَظهر فيه عدد من الشباب يرتدون قمصاناً مكتوباً عليها "معركة الهوية". وشاركت في الإعلان فتيات محجبات ومنقبات، يعتبرن الصراع السياسي الدائر في مصر حرباً على الهوية الإسلامية، وتدعون لما أسموها "انتفاضة الشباب المسلم" في اليوم المذكور. ما لبثت "الجبهة السلفية" أن أطلقت دعوتها للمشاركة في المسيرات الاحتجاجية، بالتزامن مع ذيوع تحريض إلكتروني على "انتهاء عهد السلمية"، وبدء مرحلة النضال المسلح ضد قوات الأمن.

لم تكن الدعوة منتشرة في غير أوساط الإسلاميين على مواقع التواصل الإلكتروني، فقامت الأجهزة الأمنية بـ"الترويج" لها عبر شاشات الفضائيات التي لا يصل إليها الإسلاميون. ويتسم خطاب السلطة بدرجة عالية من التوتر، وتؤكد مصادر "المدن" في كل من الشرطة والجيش، أن الأمر مأخوذ على أعلى درجات الجدية، مع استنفار شديد في صفوف القوات.

اشتدت وطأة المزايدات على جماعة الإخوان المسلمين من الشباب المتحمّس، حيث يبدو أن قياداتها لم ترد أن تظهر وكأنها مفرّطة في هويّتها الإسلامية، التي يزعم الصراع عليها. فأصدرت الجماعة بياناً عبر موقعها الإلكتروني الرسمي تدعو فيه إلى المشاركة السلمية، وتؤكد مصادر إخوانية أن البيان بغرض تسجيل الموقف السياسي من دون جديّة في الحشد الميداني. أما حزبا "الوسط" و"البناء والتنمية"، أهم حلفاء الإخوان، فقد أعلنا عدم مشاركتهما في فعاليات هذا اليوم.

وتؤكد المصادر الأمنية والعسكرية، أن الاستنفار في صفوف قوات الأمن المركزي غير مسبوق منذ احتجاجات يوم 6 تشرين أول/أكتوبر 2013، التي قتل فيها العشرات، في شوارع القاهرة والمحافظات الأخرى. وألغيت الإجازات والراحات لضباط الشرطة، وكثير منهم يبيت ليالي الأسبوع الجاري في الخدمة. وفي الوقت ذاته ترتفع درجات التعبئة في صفوف الجيش الثالث الميداني، مع تأكيدات على الصرامة وعدم الرغبة في تحمل أعباء معتقلين جدد.

وفي حين، تسود حماسة في صفوف "إسلاميّي المنفى"، تقابلها أصوات داخلية كثيرة تطالب بعدم الوقوع في ما اعتبروه فخاً ومصيدة لجموعهم. ويربط التفسير التآمري لدعوات الحشد في 28 تشرين ثاني/نوفمبر، بين القمع الموسع المحتمل، وبين جلسة النطق بالحكم على الرئيس المخلوع حسني مبارك، السبت 29 تشرين ثاني/نوفمبر، وهي الجلسة التي قد تسفر عن حكم بالبراءة. وبالإضافة إلى التوظيف السياسي الداخلي، فإن هناك ترجيحاً لاستفادة النظام من أي اضطراب محتمل، الجمعة المقبل، في دعم موقفه الخارجي كمحارب لـ"الإرهاب"، بعد أن صار في مصر فرع رسمي من تنظيم الدولة تحت اسم "ولاية سيناء"، وهم "أنصار بيت المقدس" سابقاً.

وبعيداً عن التفسيرات المحتملة، تؤكد المصادر الأمنية أن سبب الاستنفار العالي في صفوف القوات هو خطاب التعبئة الذي يعتبر الجمعة القادم، يوم دخول "داعش" إلى القاهرة. وقد انتهى العهد الذي أُخذت فيه تهديدات التنظيم بالاستخفاف، خاصةً بعد عملية دمياط البحرية التي كان موقع "المدن"، أول من كشف الستار عن اختراق "داعش" لصفوف القوات البحرية، ومحاولته اختطاف لنش مقاتل بواسطة قائده الموالي للتنظيم.

لا يختلف خطاب التعبئة الأمنية، تقريباً، عن نظيره في أوساط الإسلاميين، فالقوات الأمنية المشتركة من الجيش والشرطة تخوض "جهاداً" مزعوماً ضد "الخوارج"، ومن ورائهم شيوخ معمّمون من الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف يباركون قتل العشرات والمئات من صفوف "أعداء الوطن". أما الوطن فهو ذلك الذي تتفق أدبيات الجيش والجهاديين على وصفه بأرض "الكنانة"، التي يبدو أن أهلها على وشك الاقتتال بأسهمٍ كانت مرصوصة سابقاً في وجه أعداء الخارج.