تونس: اليسار بين المشاركة بالحكومة والاكتفاء بـ"الأقلية الضاغطة"

بسمة بوزكري
الجمعة   2014/10/31
ترجيحات بعدم مشاركة الجبهة الشعبية في الحكومة المقبلة (أ ف ب)

ربما تكون نتيجة "الجبهة الشعبية" في الانتخابات التشريعية الأخيرة أقل من الطموحات التي يسعى لها أكبر تكتل يساري في تونس، غير أن تحالف بقية القوى اليسارية والقومية التي نجحت بالانتخابات مع الجبهة سيؤدي لاحقا الى تشكيل كتلة برلمانية جيدة وطرف مهم قد يسعى "نداء تونس" لاستمالته إذا ما فكر بتشكيل حكومة بمعزل عن حركة "النهضة".

"الجبهة" ما زالت تدرس خياراتها حول المشاركة في الحكومة المقبلة من عدمها، والأولوية بالنسة لها الآن هي مراجعة الأسباب التي أدت الى حصولها على هذه النتيجة والتي يبررها القيادي بالجبهة، الجيلاني الهمامي لـ"المدن" بقوله "لم نتمكن من تحقيق النتيجة المرجوة لجملة من الأسباب أولها أن المناخ العام لم يكن إيجابيا والسبب هو أن شروط الحوار الوطني لم يقع تنفيذها كما ينبغي وخاصة في ما يتعلق بوضع آليات للتحكم بالمال السياسي وتحييد المساجد والإدارة والكشف عن الحقيقة في ملفات الاغتيال وخلق مناخ ملائم لانتخابات سليمة، ومن جهة ثانية دخلت الجبهة الشعبية متأخرة نسبيا للحملة الانتخابية نظرا لطول المدة التي استغرقتها التفاهمات الداخلية من أجل تشكيل القوائم الانتخابية".


الهمامي يشير أيضاً إلى أن الإعلام المحلي لعب دوراً كبيراً في توجيه الرأي العام و"أخطر شيء أثر سلباً في الحملات الانتخابية هو المال السياسي، الذي اتضح أنه ظاهرة متشكّلة. وهناك بعض الأحزاب أغرقت القاعدة الانتخابية برشاوى مالية ومن كل الأنواع، وللأسف اكتفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وفروعها وبقية هيئات الدولة وخاصة القضاء بموقع المتفرج على هذه الظاهرة".


رئيس الهيئة شفيق صرصار أكد في حديث سابق لـ"المدن" أن الهيئة ستتخذ عقوبات ضد المخالفين خلال الحملة الانتخابية عبر ثلاثة مستويات، الأول يقتصر على التنبيه والتصحيح، والثاني يتعلق برفع دعوى قضائية ضد المخالفين قد تنتهي بغرامة مالية أو سجن، والثالث هو لجوء الهيئة لإلغاء فوز أحد المرشحين أو القائمة الحزبية بالكامل في حال اكتشاف تجاوزات أثرت جوهريا على نتائج الانتخابات.


ويبدو أن الهيئة نفذت وعيدها مؤخراً، عبر إلغاء مقعد لـ"نداء تونس" بدائرة القصرين (وسط تونس) بعد تسجيل مخالفات انتخابية، لينخفض بذلك عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب في الدائرة المذكورة إلى مقعدين.


على صعيد آخر، يرجح الهمامي عدم مشاركة "الجبهة الشعبية" في الحكومة المقبلة، ويضيف "نحن ننظر للمشاركة في الحكومة من زاوية الغرض والهدف وليس للمشاركة بحد ذاتها، لأننا نرى أن الحكومة يجب أن تكون مسؤولة عن وضع برنامج سياسي واقتصادي جديد يتماشى مع متطلبات المرحلة".


"الجبهة" ترهن مشاركتها في الحكومة المقبلة بشروط يلخصها الهمامي بـ"الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المستعجلة للتخفيف من وطأة الأزمة على الشعب التونسي وخاصة الفئات الضعيفة والجهات المحرومة، وأي برنامج لا يتضمن مثل هذه الإجراءات في إطار تصور اقتصادي لتنمية البلاد سيجعلنا ننأى بنفسنا عن الحكومة".


ويضيف "نحن نعرف طبيعة خيارات نداء تونس والنهضة وجميع الأحزاب التي نجحت في الانتخابات، وبناء عليه فليست لدينا أوهام بشأن هذا الأمر، وحرصاً على مصداقية الجبهة فأي حكومة ستتوجه بطريقة مغايرة لخياراتنا الاجتماعية والاقتصادية لن نشارك بها".


الجبهة إذاً تفضّل البقاء في إطار البرلمان لتشكيل "أقلية ضاغطة" والعمل من أجل "تفعيل دور هيئات الدولة وفعاليات المجتمع المدني للمساهمة في ممارسة الضغط للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية واتخاذ إجراءات اجتماعية عاجلة للطبقة المحرومة في ظل الأزمة الاجتماعية الحادة وخاصة في ما يتعلق بالقدرة الشرائية للتونسيين وفي ظروف الخدمات العمومية كالصحة والتعليم والنقل والسكن والجوانب الثقافية والبيئية".


وفي هذا الشأن، يؤكد الهمامي أن الهيئة ستقوم بدورها ككتلة ضاغطة للحيلولة دون تمرير قوانين "منافية للدستور ولطموحات الشعب التونسي وأهداف الثورة، وللضغط من أجل فرض قوانين تكرس إيجابيات جديدة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية"، مشيراً إلى أن تونس تحتاج اليوم إلى "مراجعة ترسانة القوانين التي كانت مبنية على أساس الدستور القديم".