اتباع القرداتي

جهاد بزي
الإثنين   2024/05/06
جورج مبيض نموذجاً


وجه جورج مبيّض ليس شاذاً عن قاعدة. هو، بضحكته البيضاء وعينيه المزججتين وعبارته المشهور بها، أيّاً كانت، في متن القاعدة، ليس غريباً عن سوق الهستيريا القائم القاعد، هذا الذي على السوشال ميديا.
اللبناني، التاجر، الشاطر، هو هذا، مبيّض نموذجاً. يتفاخر بأنه إذا كان الرقص يجلب المال والشهرة، فسيذهل القرداتي. إذا كان مصفف شعر فسيأتي بكهل كفأر تجارب، يلصق برأسه ما شاء، فاكهة وخضار وصيصان. إذا كان يبيع هواتف صينية مقلدة واكسسواراتها فسيمد ذراعه صوبك يأمرك أن تذهب معه إلى حيث سيبدأ بالصراخ ورمي الهواتف والسماعات وخلافه مما تقع عليه يداه، بينما يقرعّك ويهدد منافساً مجهولاً تجد نفسك في وسط حرب ضروس بينهما، أنت الآتي بكل لطفك وسذاجتك صدفة إلى الفيديو. إذا كان بائع ثياب سيجلب مخلوقاً عُرف بضحكته المخيفة، يصرخ على الرصيف أسفل مبنى سكني في حي مسكين، ويحطم ألواحاً زجاجية على الرصيف ويشعل ناراً وهو يضحك. إذا كان لديه محل لبيع الشاورما سيلوح لك أن "تعا لهون".. متوعداً "هداك" الذي لا يسميه أيضاً، فيتركك لظنونك بأن ملك الشاورما الذي التقيت به عرضاً البارحة وكان غاضباً يقرّع سندويش شاورما بائس مرعوب، هو لا شك البادئ في حرب عروش الشاورما هذه. كلاهما للأمانة لديهما عبارة خاصة كختام لفيديوهاتهما، هي بمثابة ماركة مسجلة. كلاهما يمسح الهواء بيده أن "يلا من هون" وكلاهما ينتهي الفيديو على الكاميرا، وأنت خلفها، وقد تلقيتما صفعة أطاحت بالكاميرا يميناً وبنظاراتك عن وجهك إذا لم تنتبه وأبقيت عليها بينما تخوض تجربة المشاهدة حتى النهاية.
من المستحيل أن تميّز بينهم. متشابهون في حركة الجسد وعنف اللغة، وفي فئة دم من نوع ثقيل إلى تلك الدرجة التي تستغرب فيها كيف لم يتخثر بعد، بل يجري في عروقهم هكذا، كما سائر بني آدم.
بعض هؤلاء أصحاب مصالح صغيرة، والرب يبارك اليد التي تتعب، هذا كان قبل السوشال ميديا. بعد التقاء اللبنانيين بهذه الوسيلة، هم المعروف عنهم حبٌ للظهور لا تفسير علمياً له، نما وترعرع نوع كامل من هؤلاء، لا تجد الأفكار أي عائق في طريقها داخلة من آذانهم اليسرى، وخارجة من اليمنى. هكذا، سقوط أفقي حر في الفراغ. هؤلاء يتنافسون في العته. معتوهون. هل هناك نعت أرق يمكن استخدامه لوصف حالتهم؟ من هؤلاء؟ هذه سطور تكتب بأصابع إحفورية آتية من زمن الديناصورات. لكن العته ليس حداثياً. لطالما كان موجوداً. مع ذلك، لم يكن هكذا. هؤلاء لم يمر مثلهم من قبل، لا ولله. هل يصل الدم إلى حدود معدتهم في رحلته الشاقة من أسفل أقدامهم؟ كيف؟

أصحاب المصالح هؤلاء يؤدون أدوار البطولة في أفلامهم. دائماً هناك أدوار ثانوية لفتيان يعملون معهم، ليؤمنوا مصروفهم أو يتعلموا "المصلحة". بغياب الرقابة (من يراقب عمالة الأطفال؟) فإن الفتيان، منذ ما قبل السوشال ميديا، يتعرضون للأذى النفسي والجسدي الأكبر، ويظنون أن هذه طبائع الأمور. إذا كنت تريد أن تتعلم الحلاقة، فغضب المعلم الدائم منك، تنمره عليك، تعنيفه لك، صفعك بين حين وآخر، جزء أساسي من رحلة تعليمك، وقد مر قبلك بمعمودية النار نفسها، ولن تصير مثله إلا إذا ربّاك على يديه.
فتيان لا نعرف عنهم شيئاً لكننا نعلم أنهم موجودون في كل المصالح الصغيرة التي تستغل إلى الأقصى عمالة الأطفال. هؤلاء صرنا نراهم على تيكتوك، يصفعهم بائع قهوة وعصائر أربعيني على رؤوسهم كي يضحك مشاهديه وهو يقدم لهم خلطاته السحرية من السكر الممزوج بمزيد من السكر. نرى منهم فتى عمره ١٤ سنة على الأكثر يضع أسفل قميصه القطني ما يشبه النهدين ويدور بين زبائن الحلاّق راقصاً، والحلاّق في غاية السعادة والسرور. فتيان يجهلون حجم الاعتداءات اليومي على طفولتهم، وما الذي ستتركه من ندوب في مستقبلهم، حتى لو لم تصل إلى التخدير والاغتصاب والابتزاز والمتاجرة بفيديوهاتهم في شبكة إنترنت سفلية عابرة للقارات لا يمكن في العادة إكمال مقال عنها لشدة فظائع حكاياتها. هؤلاء الذين ينبغي حمايتهم بمنع عمالة الأطفال قبل منع صفحات تيكتوك.. لكنه لبنان.
ولأنه لبنان، ولأن اللبناني شاطر بطبعه فهذا السيرك سيظل مفتوحاً، يرمي للناس، صغاراً وكباراً، عنفاً شديداً ورداءة على كل مستوى، وتفاخراً بالسفالة وقلة النبل وانعدام الأخلاق. جورج مبيض هو الآن وجه هذا السيرك، أشطر من كل رفاقه، حتى أن القرداتي إذا رأى ما فعله مبيض وأعضاء عصابته، لوضعهم في خانة خاصة بهم وحده، في أعلى هرم الفصيلة.
وقد وجب التوضيح لمن وصل إلى هذا السطر ولم يعرف بعد من يكون القرداتي. هو "سائس القرود واللاعب بها"، ويعرف أيضاً ب "القرّاد".