طهران: احتجاجات على خطة تدمير حديقة نادرة لبناء مسجد

المدن - ميديا
الخميس   2024/05/09
كانت "قيطرية" حديقة خاصة بالعائلة المالكة في عهد أسرة قاجار التي حكمت البلاد بين 1789 و1925
أضحت حديقة "قيطرية" في العاصمة الإيرانية طهران، أحدث نقطة خلاف بين مواطنين إيرانيين، وعناصر متشددين، على خلفية مشروع لبناء مسجد فيها.

وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية ووسائل إعلام محلية بشكل منفصل، أن "الخلاف بشأن خطة بناء مسجد في مساحة خضراء نادرة، يسلط الضوء على الانقسامات في المجتمع الذي يعاني استقطاباً متزايداً".

وعلق الناشط البيئي محمد درويش، الذي يقود حملة ضد بناء مشروع المسجد، أن الحديقة التي تبلغ مساحتها 12 هكتاراً ببركها ومسارات المشي ومئات الأشجار، تقع في منطقة راقية شمالي العاصمة وتشكل "رئة لطهران وتوفر مساحة للتنفس في مدينة ملوثة".

ورغم ذلك، لم يقتصر الجدل على الناشطين السياسيين والبيئيين اليائسين للحفاظ على المساحات الخضراء القليلة في العاصمة طهران، بل امتد لإيرانيين عاديين وقفوا بمواجهة المتشددين في النظام، ما يعزز الانقسامات وانعدام الثقة في المجتمع الإيراني. وأصبحت خطة مجلس مدينة طهران لإنشاء مجمع ديني مساحته 800 متر مربع في حديقة "قيطرية" تحظى بمعارضة واسعة، حيث جمعت عريضة ضد المشروع حتى الآن على أكثر من 150 ألف توقيع.

ورغم رفض المشروع، أكد رئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني، موقفه، قائلاً أنه سيمضي قدماً فيه. وأفاد زاكاني أنه أعيد تصميم الخطط لضمان عدم تدمير أي أشجار معمرة ونقل عشرات الشتلات فقط. لكن درويش شكك في ذلك متسائلاً: "كيف يمكن بناء هيكل بارتفاع 28 متراً وحفر بعمق 20 متراً من دون قطع شجرة واحدة؟".

وعلق محللون بأن الإيرانيين أصبحوا أكثر وعياً بالقضايا البيئية، حيث دعا معارضو المسجد الجديد سلطات المدينة إلى التركيز بدلاً من ذلك على معالجة المشكلات الملحة مثل ازدحام الطرق والبناء غير القانوني.

وقال رئيس بلدية طهران السابق بيروز حناشي، أن "أولئك الذين يريدون بناء المسجد يتجاهلون هواء طهران الملوث وحركة المرور والمساحات الخضراء القليلة. وبدلاً من ذلك يريدون التظاهر بأنهم متدينون".

وكانت "قيطرية" في الأصل حديقة خاصة مملوكة للعائلة المالكة في عهد أسرة قاجار، التي حكمت البلاد بين العامين 1789 إلى 1925، وخصصتها العائلة كحديقة عامة خلال السبعينيات. وربما يهدف النظام الإيراني من تحويل الحديقة إلى مسجد إلى طمس معلم آخر للحياة قبل الثورة الإسلامية في البلاد.

وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة طهران، تقي آزاد أرمكي، أن قرار بناء المسجد في حديقة يفضلها الناس يمثل حالة من سوء الإدارة، وليس التوتر بين المجتمع الديني والعلماني، حسب تعبيره. وأضاف: "حتى الشريحة الأكثر علمانية في المجتمع الإيراني لم تعارض بناء المساجد. والاقتراح البديل أن تقوم البلدية ببناء المسجد في قطعة أرض فارغة بدلاً من ذلك".

يأتي ذلك في وقت تشدد فيه إيران من القيود الداخلية، بما في ذلك عمليات الإعدام وتوقيف معارضين وعودة دوريات شرطة الأخلاق لمراقبة التزام القواعد الصارمة للباس في البلاد، فيما شهدت إيران اعتباراً من أيلول/سبتمبر 2022 احتجاجات واسعة إثر وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً)، بعد أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في العاصمة لعدم التزامها بتلك القواعد.

واعتمدت السلطات القبضة الصارمة في التعامل مع الاحتجاجات التي تراجعت بشكل ملحوظ في أواخر العام ذاته. إلا أن القمع الذي تمارسه السلطات "دخل مرحلة جديدة" خلال الفترة الأخيرة، بحسب منظمات حقوقية محلية ودولية. ويشعر بعض رجال الدين بالقلق من أن السلوكيات القاسية من قبل السلطات تدفع الناس بعيداً عن الدين.

وبحسب لتقرير صادر عن "مركز البيانات الثقافية الإيرانية"، فإن العديد من المساجد الإيرانية البالغ عددها 85 ألف مسجد لا يرتادها إلا عدد قليل من الناس، ونحو 40% منها ليس بها إمام. كما أن عدد الإيرانيين الذين يصلون يوميا انخفض أيضاً في السنوات الأخيرة.

وقال رجل الدين المحلي ناصر نقويان: "حتى لو قمت ببناء مساجد في جميع المتنزهات، فسيكون ذلك عديم الفائدة طالما لا يوجد مصلون".