وأمنت حركة أمل لرضا راتبًا شهريًا إضافة إلى تغطية صحية شاملة لعائلته وتعليم مجاني لأطفاله. احتضن نبيه برّي من قاتل إلى جانبه: أولاد من قتل في المعارك، الجرحى وأولادهم، حتى الجنوبيون غير المحسوبين على أمل كان لهم حصة منها. وقادهم الرئيس إلى حضن الدولة. ويروي مصطفى أن رجلًا أعرج تقدم من الرئيس برّي في إحدى المناسبات ومد يده مصافحًا: مرحبًا دولة الرئيس، أنا فلان، جريح في أمل. استقبله برّي بالترحاب، ثم أشار الرجل إلى شاب يقف إلى جواره: هذا ابني، نريد وظيفة له. ما مجال دراسته؟، سأله برّي، فأجاب الرجل: لم يكمل تعليمه، لكن كما تعلم، يريد ارتداء زي شرطة المجلس كغيره.
خيرات أمل المتفاوتة
بنت حركة أمل مع الجنوبيين علاقة قائمة على النفعية. فتح لهم الرئيس أبواب الدولة فدخلوها آمنين. توزعوا على وظائفها ومناصبها في الأسلاك العسكرية، في القضاء والتعليم. مكاسب لم توزع بعدالة على الجنوبيين. استغل النافذون في أمل، والقريبون من كرسي الرئاسة، مراكزهم ووزعوا المناصب الهامة على المقربين منهم، تاركين الفتات للعناصر الصغار في الحركة.
شطر كبير من الحاقدين على أمل -يقول مصطفى- هم أولئك الذين لم يحصلوا على حصتهم من الجبنة. أبو أسعد مثلًا حاول جاهدًا، وعلى مدى سنوات، توظيف أحد ولديه في السلك العسكري قبل أن يصيبه اليأس ويدير ظهره لأمل في اتجاه حزب الله.
ويشير مصطفى إلى الجنوب، إلى الطرق، المستشفيات، المدارس، الكهرباء التي وصلت إمداداتها إلى القرى كلها منذ زمن بعيد، ومثلها المياه، ويقول إن الفضل في ذلك إلى حركة أمل. وينقل عن بقاعيين في مناطق محرومة في بعلبك والهرمل قولهم: أهل الجنوب لديهم نبيه برّي أما نحن فمن لدينا؟
أزمة أمل والغزو الأصفر
وأمل اليوم في عين الأزمة. فرواتب موظفي الدولة قد انخفضت قيمتها إلى مستويات دنيا. الخدمات التي لطالما فاخرت بها، كالماء والكهرباء أصبحت رديئة. وحسب مصطفى فإن إمكانات أمل ضئيلة إن أرادت مساعدة الناس. لكنها تقوم بذلك اعتمادًا على المجالس البلدية التي تسيطر عليها، وعلى نفوذها داخل الدولة، وعبر تأمين الأموال من المغتربين الذين تربطها بهم علاقة جيدة لتوزيعها على الفقراء. ويروي أن أحد المغتربين الآن يدرس إمكانية شراء مراوح لإنتاج الطاقة الكهربائية وتغذية إحدى القرى.
وتراجعت شعبية أمل كثيرًا. أشد ما يدل على ذلك هو نتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة: حصد نواب حزب الله النسبة الأكبر من الأصوات. قرى الحركة تتهاوى قرية تلو أخرى أمام الغزو الأصفر. ويقول مصطفى إن ذلك ليس غريبًا. إنما الغريب هو كيف استطاعت أمل الصمود بوجه مدِّ حزب الله، وكيف استطاعت فرض نفسها شريكًا لا غنى عنه، وطرفًا شيعيًا معتدلًا، سواء في الداخل أو الخارج. اعتدال يجذب كثرة من الشيعة، حتى أولئك الذين يثورون ضد النظام ويرفعون شعارات الدولة المدنية ومكافحة الفساد، يختارون حركة أمل بسبب اعتدالها وعدم ارتباطها أيديولوجيًا بإيران كحزب الله.
الفساد بلا مؤسسات
أدخلت أمل الشيعة إلى الدولة، لكنها في المقابل لم تبن لهم مؤسسات. كان فسادها من النوع التافه. مجرد وظائف هنا وهناك أو سمسرة على صفقة أو منافع. لم تكن شريكًا في كارتيلات النفط ولا في المقالع والكسارات ومعامل الإسمنت. وتعتمد اليوم على رصيدها من الخدمات التي قدمتها إلى الجنوبيين، مستندة إلى أن البديل في الجنوب غير موجود.
ويكفي خطاب واحد يشد العصب حتى يعود كل من ابتعد عن أمل إلى كنفها. ويضيف مصطفى: حتى من لا يقف مع أمل لن يقف ضدها. لا تكاد تجد جنوبيًا لا فضل لأمل عليه، سواء في وظيفة أو في خدمة من أحد القضاة أو بناء بيت مخالف، حتى لو لم يكن ضمن صفوفها.
انقلاب المواقع المالية
ويتقاسم حزب الله وأمل الساحة الشيعية. لا غنى لأحدهما عن الآخر، حين تذهب عميقًا في المجتمع الجنوبي تعرف أن التعويل على صدام بينهما مجرد أوهام. الأحقاد القديمة دفنت. ويضيف مصطفى أن أولاد من قتل في مواجهة حزب الله، يرفعون اليوم صور نصرالله. كل إشكال بين الحزبين مجرد صراع على النفوذ لا أكثر.
أما عن تقاضي عناصر الحزب رواتبهم بالدولار وانهيار الموظفين التابعين لأمل، فيقول: يومًا ما كان الأمر معكوسًا. كانوا يتقاضون 500 دولار على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية، بينما كانت رواتبنا بالألوف. الآن الوضع معكوس. لا بأس، في الحالتين الأموال مصبها العائلات الجنوبية. وهذه فكرة لا يوافق عليها كثيرون من عناصر أمل ومؤيديها.
ونصل إلى قرية الشهابية. وهي بلدة بناها -حسب البعض- جنوبيون عملوا عتالين في مرفأ بيروت. يقول مصطفى: قدمنا 7 آلاف شهيد كي لا نظل عتالين في المرفأ. وفيما يمثل حزب الله المقاومة في لاوعي الجنوبيين الجمعي، تمثل حركة أمل الخروج الشيعي من الحرمان والدخول إلى الدولة، لتصبح إله التمر الذي أكلوا منه حتى انهار، أو بقرة حلبوها حتى الرمق الأخير.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها