بينما يبقى مصير أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان معتمداً على محادثات القوى السياسية في بيروت، ترى صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في تحليلٍ نشرته، أنه يجب على حزب الله أن يناور بعناية بين المنافسين السياسيين لضمان وجوده، وأن الحرب مع إسرائيل هي آخر ما يحتاج إليه الآن.
يعتمد مصير معظم اللاجئين السوريين في لبنان، وفق هآرتس، على إذا ما كانت الحكومة اللبنانية ستجري محادثات مباشرة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا بشأن عودتهم، كما يريد كل من حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون. لكن رئيس الوزراء سعد الحريري ومن يدور في فلكه السياسي يريدون أن تكون الأمم المتحدة مسؤولة عن ذلك، من دون أي اتصال مباشر بين لبنان ونظام الأسد.
وقد قرر حزب الله ووزير الخارجية جبران باسيل، وفق هآرتس، عدم انتظار قرار سياسي للتواصل مع نظام الأسد، وانتقلا بسرعة إلى فتح مكاتب التسجيل للاجئين الراغبين بالعودة إلى سوريا. كما يعقد عون مباحثات مباشرة مع سوريا عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في حين ذهب أشخاص من وزارة الخارجية إلى البلدات والقرى، التي يسكن فيها اللاجئون غير المسجلين لبدء الاستعدادات لعودتهم.
ظاهرياً، تقول هآرتس، لا يوجد عائق فني أمام عودة اللاجئين باستثناء المعابر الحدودية التي تسيطر عليها الحكومة اللبنانية. وجميع القوى اللبنانية لديها مصلحة في مغادرة اللاجئين، الذين كانوا عبئاً مالياً وإدارياً ضخماً على لبنان. وبينما أعلن الأردن، الذي يستضيف عدداً ضخماً من اللاجئين، فور استعادة الجيش السوري السيطرة على معظم الجنوب السوري ومعبر نصيب الحدودي، أنه يريد ترحيل جميع اللاجئين السوريين الذين يعيشون على جانبه من الحدود، ربط لبنان موضوع اللاجئين السوريين والتجار والمزارعين اللبنانيين، الذين يمكنهم بالفعل تصدير بضاعتهم إلى العالم العربي من خلال سوريا والأردن، بالنزاع السياسي.
وبغض النظر عن موقفه المؤيد لسوريا بشأن قضية اللاجئين، يحاول حزب الله، وفق هآرتس، تصوير نفسه كطرف محايد في النزاع بشأن تشكيلة الحكومة. وفي الوقت الراهن، يستطيع أن يراقب من بعيد لأن النزاعات الداخلية هذه المرة تنحصر في كل من المعسكرين المسيحي والسني، وهي لا تزال تعوق جهود الحريري لتشكيل الحكومة.
تضيف الصحيفة: الحسابات السياسية التي فرضتها نتائج الانتخابات تضمن لحزب الله ثلاثة وزراء على الأقل. وسيكون أحدهم مسؤولاً عن واحدة من الوزارات الخدماتية التي يُرجح أن تكون الصحة. ما سيسمح لهذا الوزير السيطرة على ميزانية كبيرة. لكن الأهم من توزيع الحقائب هو أن بعض الأموال التي وعدت بها الدول المانحة في مؤتمر سيدر1 ستمر بطبيعة الحال عبر هذا الوزير. ما سيطرح مشكلة، إذ من الممكن أن تقوم الدول المانحة بتجميد مساعداتها المالية إذا كانت الأموال ستمر عبر وزراء حزب الله. ورغم احتمال حدوث هذه الفرضية، إلا أن الحكومة اللبنانية تستطيع التغلب على هذا الأمر من خلال إعادة توجيه المساعدات.
الهدف الأهم، من وجهة نظر حزب الله كما تقول هآرتس، هو تشكيل كتلة تسيطر على ثلث مقاعد مجلس الوزراء زائد 1. ووفق هذه المعادلة، إذا كان مجلس الوزراء مكوناً من 30 وزيراً، فإن حزب الله سيريد أن يكون جزءاً من كتلة تسيطر على 11 مقعداً وزارياً على الأقل. بالتالي، فإن أي قرار كبير مثل الموافقة على الموازنة أو إعلان حرب سيتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء. هكذا، في حكومة مكونة من 30 وزيراً، يكفي أن يصوت 11 منهم، ويعطلوا أي قرار ويمنعوا قدرة الحكومة على الحكم.
في الوقت الحالي، يمكن لحزب الله الاعتماد على التيار الوطني الحر الذي يُحتمل أن يكون له سبعة وزراء، بالإضافة إلى ثلاثة وزراء يعيّنهم الرئيس عون. هكذا، مع وجود الوزراء الثلاثة الذين سيمثلون حزب الله في الحكومة فإن الكتلة المعطلة مضمونة بما يكفي لإملاء السياسة التي يريدها. لكن حزب الله قد يجد نفسه في وضع يتفق فيه وزراء التيار الوطني الحر مع وزراء الرئيس عون، وفي هذه الحالة سيحتاجون إلى وزير آخر لتشكيل كتلة معطلة، والتي يُمكن في ظل ظروف معينة أن تمنع السياسات التي يفضلها حزب الله. لذلك، رغم تحالف حزب الله مع التيار، فإن الحزب يهدف إلى تقليص سلطة التيار المسيحي في الحكومة.
تظاهر حزب الله بعدم اكتراثه بالنزاع بين التيار والقوات اللبنانية بشأن الحصص الوزارية. وقال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إنه "يجب أن يكون المرء مرناً ولا يغرق في التفكير التكتيكي والطائفي الذي سيقوض التوازن الوطني الضروري". فجأةً، تقول هآرتس، يتظاهر نصرالله بأنه مخلص للتوازن الوطني. إنه نقي كالثلج ولا يلطخ نفسه في الطين السياسي.
لكن نصرالله ليس بريئاً من الانخراط في المناقشات السياسية. فهو يجري في الوقت نفسه محادثات مع خصومه السياسيين، بمن فيهم الحريري، الذي اضطر إلى الاستقالة من رئاسة الوزراء منذ بضعة أشهر بعدما ضغط عليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وذلك بسبب تعاونه مع حزب الله. وكانت المملكة العربية السعودية تأمل بتفكك الحكومة اللبنانية وتُدخل البلاد في فوضى من شأنها أن تجبرها على الارتماء في أحضان الرياض والخروج من مدار النفوذ الإيراني. لكن هذه الخطة فشلت. وأطلقت الاحتجاجات اللبنانية والتدخل الدولي، خصوصاً من فرنسا، سراح الحريري من الإقامة الجبرية في السعودية وسمحت له بالبقاء رئيساً للوزراء.
يعرف الحريري، وفق هآرتس، أنه سيحتاج إلى دعم نصرالله الآن، إذا أراد انجاز تشكيل الحكومة في وقت قريب. وهنا، يبرز السؤال عن الثمن الذي سيدفعه لحزب الله. مع ذلك، فإن التبعية لا تنحصر في جانب واحد، لأن نصرالله يفضل الحريري على المرشحين الآخرين لرئاسة الوزراء، كونه يدرك أن مكانة الحريري، في كل من الغرب والشرق الأوسط، تلعب دوراً مهماً في تأمين الشرعية والدعم الدولي للبنان.
وبينما يعرف حزب الله كيفية المناورة في الساحة اللبنانية من أجل الحفاظ على قوته، فإن المسرح السوري يضعه في حالة من عدم اليقين. فخلال السنوات الأربع الأولى من الحرب السورية، كانت إيران حليفاً لسوريا وكان حزب الله بمثابة قوة مساعدة حيوية في حرب الأسد ضد معارضيه. لكن، تدخل روسيا في الحرب في أواخر العام 2015 أعاد تشكيل المعادلات وموازين القوى.
بعد التدخل الروسي في سوريا تم احباط رغبة حزب الله في إنشاء جبهة معادية لإسرائيل في جنوب غرب هضبة الجولان، من قبل إسرائيل بمساعدة الضغط الروسي. وانتشار عناصر الحزب في جبال القلمون غرب سوريا، وعلى طول الحدود السورية- اللبنانية، تأثر بعروض القوة الروسية، ومطالب السياسيين اللبنانيين بإعادة قواته من سوريا واليمن، ومطالب عائلات المقاتلين الذين قضوا في المعارك. كل هذه العوامل تجبر حزب الله اليوم على البدء بسحب عناصره من سوريا.
رغم إدراك نصرالله حجم الضغوط التي تفرضها روسيا على إيران لسحب قواتها من الحدود وحتى من سوريا تماماً، لا يوجد لديه، وفق هآرتس، طريقة لمعرفة كيف ستكون سوريا بعد الحرب. من المؤكد أن الأسد سيظل رئيساً، لكن هل ستبقى سوريا محطة كبرى تتوسط العراق ولبنان لشحنات الأسلحة والذخائر إلى لبنان؟ أم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والأسد يطبخون بعض المفاجآت الدبلوماسية التي من شأنها أن تحد بشكل كبير من أنشطة حزب الله و/ أو خط أنابيب الأسلحة؟
كل ما ذُكر أعلاه يعتبر نهايات فضفاضة في التشابك السياسي والدبلوماسي. ما يلزم حزب الله العمل بحذرٍ مضاعف لضمان وجوده. إذ يجب عليه أن يناور بين منافسيه السياسيين، والتأكد من أن تشكيلة الحكومة تخدم مصلحته، وأنه سيبقى من الأصول الاستراتيجية الإيرانية. والخلاصة هنا أن أي حرب ضد إسرائيل لن تساعد الحزب في القيام بأي شيء من هذا.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها