يحرص مسؤولو "القوات اللبنانية" على ترداد مقولة إنّ "تفاهم معراب" بين "القوات" و"التيار الوطني الحر" لا يهدف إلى إلغاء "الآخرين" في الأوساط المسيحية، لكنّه سيعيد صياغة الأحجام السياسية بحيث تأخذ كل قوة حجمها الحقيقي في المجال السياسي والتمثيلي. الأمر نفسه يؤكّده مسؤولو "التيار" وإن بصيغة مختلفة بالقول إنّ "التيار لن يرضى أن يتمثّل بغير حجمه الحقيقي في أي من الاستحقاقات". يفهم من هذا الكلام أنّ "تفاهم 18 كانون الثاني" سيعيد إنتاج المحاصصة السياسية والتمثيلية وفق قواعد جديدة تخضع لمعايير الحجم الشعبي والسياسي لكل طرف. وهذا لا يخالف الديموقراطية طالما أنّ تحديد أحجام القوى السياسية سيحتكم إلى صندوق الإقتراع. لكنّ ثمة جانباً يغفله هذا الخطاب وهو أنّ الإشكالية الأساسية ليست في تحديد الأحجام السياسية في المجال المسيحي بقدر ما هي في توفير إمكانات "التغيير" فيه، بدءاً من البلديات وصولاً إلى شؤون المجال العام جميعاً.
إذاً المسألة ليست في رغبة الأحزاب أو قدرتها على إلغاء "البيوتات السياسية"، فهذا أمر يخضع للعملية السياسية والديموقراطية، إنما السؤال الرئيسي هو في كيفية خلق معايير جديدة في العمل السياسي والاجتماعي يصعب على أي كان تجاوزها سواء انتمى إلى "البيوتات السياسية" أو لا. ففي ظل غياب المبادرات الإصلاحية الأهلية أو المدنية في المناطق "المسيحية" لأسباب متصلة بالبنية الاجتماعية/السياسية في هذه المناطق، يصبح الرهان الأساسي لإحداث التغيير على الأحزاب المنظمة والمتأطرة وفي طليعتها "القوات" و"التيار". والبوادر الأولية لأي تغيير يجب أن تظهر في الانتخابات البلدية المقبلة نظراً إلى إتاحتها الإصلاح من "تحت إلى فوق" في حال أحسنت الأحزاب خوضها، ولو بالحد الأدنى، بنفس تغييري.
حتّى الآن يبدو أنّ "القوات" و"التيار" الحزبين الأكثر فاعلية وتمثيلاً لدى المسيحيين غير قادرين على تحقيق خرق تغييري جذري في الاستحقاق البلدي المقبل. لعل الأمر عائد إلى كون تفاهمها ما يزال "طري العود" ولم يتح له الوقت الكافي للتبلور والتأسيس لحالة سياسية/اجتماعية جديدة في الأوساط المسيحية، وبالتالي هما اضطرا إلى أخذ الاعتبارات العائلية في الحسبان زيادة عن اللزوم بحيث طغى العائلي على السياسي في معظم البلديات. لكن، بالرغم من ذلك، ثمة واقع سياسي جديد أنتجه هذا التفاهم وهو آخذ في الظهور أكثر فأكثر، وما تكتل كل القوى المسيحية "التقليدية"، سواء كانت حزبية أو "مستقلة"، ضدّه سوى دليل على الخطر الذي باتت تستشعره هذه القوى من جراء تفاهم هاتين القوتين المنظمتين. مع الأخذ في الحسبان أنّ "حزب الكتائب" في عهد النائب سامي جميل يمكن أن يشكّل حالة "تغييرية" متمايزة عن "تفاهم معراب"، لكنّ الأمر مرهون بقدرته على إدارة معارضته لهذا التفاهم بحيث لا يجنح إلى لعب لعبة معظم "البيوتات السياسية" التي يدفعها خوفها على مستقبلها إلى استنهاض "مجتمع الزبائنية" مستفيدة من قوتها "الخدماتية" في الدولة و"المجتمع المحلي" ومن ضمنه البلديات.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها