الخميس 2017/09/21

آخر تحديث: 22:20 (بيروت)

كردستان ام برزانيستان

الخميس 2017/09/21
increase حجم الخط decrease

في المسألتين الكردية والفلسطينية، لا شك ولا تشكيك في المظلومية والعنصرية التي طاولت وما تزال تطاول سكان شمال العراق وشرق سوريا، من الكرد والعرب والتركمان والايزيديين والمسيحيين وغيرهم، ولا شك ولا تشكيك في المظلومية والعنصرية التي لحقت وماتزال تلاحق الفلسطينيين، لا في فلسطين وحدها، بل في سوريا ولبنان ومصر وعدد من دول الشتات.


في ماضي بيروت، جمعتنا المظلومية. يسار عربي وكردي وعالمي، تشاركنا الاحباط. تسامرنا. كرد سوريا بلا اوراق ثبوتية، وكذلك فلسطينيو لبنان بوثائق لاجئين بالية، كانت بمثابة دعوة لعنصرية ضدهم من السلطات اللبنانية والسورية الحاكمة لبنان في ذلك الزمان.


كرد الجزيرة والبيشمركة، ومقاتلو الراحل ”ابو ميسا“ جورج حبش، والمنتفضون على ”وتوات“ الحزب الشيوعي اللبناني، ومجموعات يسارية مستقلة، والمعجبون بالثائر السوري قبل كل الثورات، رياض الترك، بكينا سويا، وضحكنا سويا، وتظاهرنا، وصرخنا من اجل حقوق الكرد والفلسطينيين واللبنانيين وسائر الشعوب. تذكرنا حصار الأسد لمخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان، وظلمه لكرد سوريا. الظلم واحد، فلمَ لا يتوحد المظلومون؟


اتسعت حانة الرفيق العزيز الراحل نايا، الضيقة جدا، لنا كلنا، على انغام عازف البزق الكردي زورو يوسف، وتراقص ابن خالته كاميران، ودندنة خالد الهبر، وتصفيق سهى بشارة، وابتسامات كوزو اوكاموتو. استضفنا السوري سميح شقير، الذي غنى في مناسبات نوروز في مسبح عجرم عن ”صديق له من كردستان اسمه شيفان“، وهللنا لأغاني شيفان، حتى لو لم يفهم غالبيتنا معاني كلمات اغنياته، الا اننا فهمنا نغمتها، فالمظلومون يغنون بنغم واحد، وان بلغات متعددة، وكنا نردد مع شيفان ”بيجي كردستان“.


لم تتغير شؤون كرد العراق، على الرغم من تغير هوية حكامهم، من عرب الى كرد. كما في فلسطين، كذلك في كردستان العراق، حكام يخفون فسادهم واستئثارهم بالسلطة خلف قضايا محقة، فينفد الحكام مع فسادهم، فيما يغرق المحكومون بالفساد والشقاء.


في كردستان، كما في سوريا ولبنان، طغمة حاكمة منذ عقود، تآمرت على بعضها البعض، وخاضت حروبا داخلية دموية. مات الكرد، وبقي امراء الحروب.


في الايام القليلة المقبلة، يحاول الحاكم تغطية عوراته باستثارة عواطف المحكومين. لم يجر السيد رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني اية انتخابات منذ انتهاء ولايته الثانية في العام ٢٠١٣، واخترق الدستور الكردي، الذي يجبر الرئيس على الخروج من الحكم بعد ولايتين، ومدد لنفسه عامين. وبدلا من خروجه من الحكم في العام ٢٠١٥، أقفل السيد برزاني برلمان كردستان، وعلّق الانتخابات فيها، بحجة تدهور الاوضاع الأمنية.


اليوم، بعد اربعة اعوام على وجوب خروجه من الرئاسة، ما يزال برزاني حاكما، وبدلا من اجرائه انتخابات برلمانية ورئاسية، قرر استثارة عواطف الكرد باعلان موعد استفتاء لانفصال كردستان عن العراق.


لا ضير في الاستفتاءات الشعبية. بريطانيا انفصلت عن اوروبا وجنوب السودان عن السودان، فيما لم تنفصل كاتالونيا عن اسبانيا، ولا اسكتلندا عن المملكة المتحدة.


المشكلة هي في ان يصوّر لنا برزاني استفتاء كردستان وكأنه عملية ديموقراطية، وان يعيّب على من لا يؤيدها، فيما السيد برزاني نفسه يضرب الديموقراطية بعرض الحائط منذ سنوات، فاذا كان السيد رئيس اقليم كردستان جديا في ديموقراطيته وحقوق الكرد، فليشرف على انتخابات برلمانية ورئاسية، وليخرج من الرئاسة، وليقرر حكام كردستان الجدد خطوتهم المقبلة.


فليعط السيد برزاني الكرد حقوقهم السياسية، بالسماح لهم بالانتخاب وتداول السلطة، وليعطهم حقوقهم المالية، بوقفه احتكار ثرواتهم ومواردهم. ثم، بعد ان يظهر برزاني احترامه للغالبية الكردية، اذ ذاك يمكنه الطلب الى العالم احترام رأي الغالبية الكردية في العراق.


لكن تصرفات السيد الرئيس برزاني تشي بأن الهدف الاول من خطوته الاستقلالية هي الخروج من مأزق اقفاله برلمان كردستان وبقائه في منصب الرئاسة من دون مسوّغ دستوري. ومن يدري، ربما في كردستان مستقلة، يلغي برزاني بند تحديد الرئاسة بولايتين، ويصبح رئيسا الى الأبد، فان كانت سوريا الأسد، والأسد طبعا حامي حقوق العرب وقائد لواء تحرير فلسطين، فلمَ لا تكون كردستان برزاني، او برزانيستان.


نحن من نشأنا على نصرة الشعوب المظلومة وحقوق مواطنيها، لا يرى بعضنا مصيرية استفتاء كردستان، بل يرى مناورة سياسية يقوم بها برزاني لمصلحته الذاتية. وحتى لو كان للسيد برزاني اصدقاء اقليميون، لن يكفيه ذلك، ولا نفط كردستان، في اقامة دولة تعطي مواطنيها حقوقهم، غير الدولة الاستخباراتية الفاسدة التي يديرها اليوم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها