لا يمكن اختزال الاعتداءات على السوريين في لبنان، بأنها مجرد ردود أفعال على جريمة خطف وقتل القيادي في حزب "القوات اللبنانية" باسكال سليمان في جبيل، يوم الأحد الماضي. ما يجري، هو "حملة منظمة"، انفجرت بوجه السوريين اليوم، وتغذيها فيديوهات قديمة ومقاطع صوتية مجهولة ومجتزأة، بغرض التعبئة العامة ضد اللاجئين.
وعبارة "حملة منظمة"، وردت في مقطع صوتي تم تداوله على نطاق واسع في مجموعات "واتسآب"، تقول فيه المتحدثة إن هناك حملة منظمة ضد السوريين "لتنفيذ مهمة معينة مطلوبة منا"، قبل أن تصدر مقطعاً آخر، قالت فيه إنه المقطع سرّي، وهو عبارة عن اقتراح لم يُتخذ فيه القرار، وطلبت من الجميع حذفه...
غير أن الحملة، بدت واقعية، بمقطع صوتي ومن دونه. انفجرت في برج حمود حيث مُنح السوريون مهلة لإقفال محالهم ومغادرة منازلهم، قبل يوم الجمعة، حسبما ورد في مقطع فيديو، تحت تهديد "وقد أعذر من أنذر".. كما انفجرت في شرق صيدا، بالاعتداء على ثلاثة سوريين، نُقل أحدهم الى مستشفى الهمشري في صيدا، وتدخل الجيش اللبناني لفض الإشكال. وقبلها، يوم الإثنين، وُثقت اعتداءات على سوريين في ساحل جبيل. وتمت تغذية الحملة بمقاطع قديمة، أحدها من بشري في العام الماضي، وآخر من البقاع..
ومع أن حادثة خطف وقتل سليمان فجّرت الحملة الشعبية ضد السوريين، لكنها ليست في الواقع وليدة الحادثة، بالنظر الى ان خطاب الكراهية ضد اللاجئين الذي تحول الى خطاب ضد السوريين بشكل عام، تنامى خلال السنوات الثلاث الماضية، على أثر الأزمة الاقتصادية، والتغيّرات السياسية الإقليمية. من هنا، يصبح الجزم بأنه "ردّ فعل"، بمثابة اختزال لخطاب تحريضي، ذخّرته حملات تلفزيونية صريحة ضد السوريين في لبنان، مرفقاص بصمت من قبل القوى السياسية المسيحية على تلك الاعتداءات، بما يوحي بأن المرتكبين يحظون بتأييد، أو على الأقل، بغضّ نظر، وهو ما يدفع المعتدين إلى الظن بأن هناك غطاء سياسياً، بطبيعة الحال لن تقمعه السلطات بشكل حازم.
والسوري، العامل والنازح والمزارع واللاجئ والمُلاحق أمنياً من قبل النظام أو المتهم بالاشتراك بأعمال ارهابية ضد لبنان منذ فترة اجتياح تنظيمات متشددة لبلدة عرسال في 2014، هو ضحية تلك التعبئة العامة، من دون تمييز بين السوريين.
لا يرتبط الامر بطبيعة الحال بحادثة تكشفت خيوطها وأوقف مشتركون فيها، وهم عصابات مارقة تحترف الجريمة... فالسوريون ضحايا أي حدث أمني في البلاد، منذ 2005، حين تعرض عمال لاعتداءات على أثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم لاعتداءات أخرى إثر أعمال ارهابية ضربت لبنان.. الفارق بين 2005 واليوم، أنه ليس هناك "سمير قصير" ما يكتب مقالاً بعنوان "ربيع بيروت العرب" يقول فيه:
"قد يكون اخواننا السوريون، من عمال ورجال اعمال ومثقفين، جفلوا لحظة مما خالوه عدائية موجهة ضدهم فيما هي ثمرة الاستبداد الذي يخنقهم هم واللبنانيون، لكنهم سيعودون اهلاً لانهم يعرفون اكثر من غيرهم ان ربيع العرب، حين يزهر في بيروت، انما يعلن أوان الورد في دمشق".
بات السوريون اليوم بمثابة "فشة خلق" لجموع اللبنانيين الغاضبين على مصائرهم. لبنانيون بلا دولة تحميهم من عصابات خطف وسرقة وقتل، يشترك فيها سوريون مارقون، يستفيدون من هشاشة الوضع الأمني، الى جانب لبنانيين، وسرقوا منذ مطلع العام عشرات السيارات. لبنانيون غاضبون من دولة فشلت في تنظيم النزوح السوري، ولا تزال، وفشلت في اتخاذ الاجراءات القانونية لتصنيف السوريين بين عامل ودافع للضرائب، ومزارع موسمي، ونازح لأسباب أمنية وسياسية أو لأسباب اقتصادية.
يدفع السوريون اليوم ثمن تراخي الدولة اللبنانية، وتسويات دولية واقليمية، وشعبوية سياسية وهواجس وجودية شعبية لبنانية. السوريون اليوم ضحية، كما كانوا خلال فترات تطورات أمنية في الداخل اللبناني، وليس هناك من يحميهم، أو يحمي اللبنانيين من خطاب كراهية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها