أخمد تأجيل الانتخابات المحلية في فلسطين، الجدل القائم حول أسماء النساء التي اعتبرت "عورة" أثناء ترشيحهن للمقاعد الانتخابية. لكن الجدل سيتجدد، في حال أقرت محكمة العدل العليا في مدينة رام الله، في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، استئناف الانتخابات.
وإذا كانت المحكمة قادرة على تخطي الازمة السياسية المتعلقة بوقف اجراء الانتخابات المرتقبة، إلا أنها لن تتمكن من ايجاد حلّ للموانع الاجتماعية والدينية التي حالت دون إعلان أسماء المرشحات، وتحويل صورهن في الشوارع الى "باقات زهور" مدموغة بالأحرف الأولى من أسمائهن، ومتبوعة بـ"بنت أو أخت أو زوجة فلان". وهو ما دفع النساء الفلسطينيات إلى رفع اصواتهن قائلات: "أسماؤنا ليست عورة".
ولعل ما ورد خلال الترشيحات قبل تأجيل موعد الانتخابات، كان حدثاً معيباً، دفع المرشحات ونساء فلسطين إلى رفع أصواتهن بعد مواجهة مشكلة كبيرة، في القول لهن صراحة إن أسماءهن عورة. هذه الخطوة كان من شأنها إثارة جدل واسع في الشارع الفلسطيني، يبدو أنه لن يتوقف مع استئناف إجراء الانتخابات المحلية المتوقع بعد أربعة ايام، كما يقول ناشطون فلسطينيون.
فما حصل يفتح نقاشاً واسعاً حول ذلك التنازع بين العادات والتقاليد، وبين عملية إجرائية كان نتيجة مسيرة طويلة من الحداثة التي تقوم على أساس تحقيق المساواة بين الافراد بغض النظر عن الجنس والدين والمهنة.
ولعل وضع المرأة الفلسطينية، بحسب ما تكشف مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يزال يشير إلى مكانتها الأدنى في سلم العلاقات الاجتماعية والسياسية. فهي "لا تزال تحت جناح سلطة أعلى منها، ذكورية، هي مجبرة على التبعية لها، مهما كانت درجة قرابة هذه الذكورة منها".
ما جرى يفصح صراحة عن تغلغل السلطة البطريركية في المجتمع الفلسطيني والتي تنهل من عادات وتقاليد، غالباً ما تسعى لتجد مسوغاتها في الدين نفسه. لكن ما حصل هو العكس، فقادة الحملة المضادة على "فايسبوك" و"تويتر"، هم متدينون ومتدينات. وهو ما دفع احدى المغردات لأن تقترح ساخرة أن تقام مدينة للرجال وأخرى للنساء مع بلديات، حيث أن "مجتمعنا محافظ على العادات والتقاليد بشكل دقيق ويحترم المرأة أكثر من الغرب".
الحملة، التي لاقت رواجاً كبيراً استدعى التعاطي الإعلامي الواسع معها، خمدت قليلاً اليوم، لكنها لم تنته. ومن المتوقع أن تطفو إلى سطح السجال من جديد، مع العودة عن تعليق الإنتخابات المحلية. ذلك أن المشكلة لم تجد لها حلاً، في ظل العجز عن تكوين قائمة نسوية موحدة تحاكي تطلعات النساء الفلسطينيات وتثبت لهن أدوارهن في المجالات كافة. فهن منقسمات بين الضفة وغزة، وكذلك بين الأحزاب والفصائل الفلسطينية، التي تحمل كل منها رؤيتها للمرأة.
وبرغم إنكار مدير مكتب غزة في لجنة الإنتخابات المركزية جميل الخالدي، في حديث لــ"أحوال البلد"، صحة القوائم التي تضمنت أسماء لــ"أخت" أو "زوجة فلان"، وقوله إن هذا العمل لا يتبع للجنة الانتخابات المركزية وإن هذه القوائم ليست حقيقية. إلا أن الحملات الانتخابية في شوارع غزة ووسائل التواصل، كانت على الشاكلة المذكورة ولم يتم منعها ما طرح تساؤلات كثيرة.
إزاء العادات والتقاليد، لن تجد المرشحات الفلسطينيات ضالتهن إلا في القانون الفلسطيني الذي منحهن الحق في المشاركة في كل مؤسسات العمل السياسي والحكومي. حيث سيجدن ما يدعهمن قانونياً، في حين أن الطاقات يجب أن تنصب على مواجهة العقلية الذكورية لتقبل أن المرأة ليست أقل شأناً من الرجل. ويبدو أن الكثير من الفلسطينيين الناشطين في مجال حقوق المرأة، سيستمرون في ما بدأوا به لمواجهة هذه العقلية التي تُبيّن أن "إخفاء أسماء المرشحات عرض لمشكلة أكبر وليس المشكلة بحد ذاتها، مشكلة ظلم المرأة المتمثل في تحييدها وفصلها عن المجتمع"، كما قال معتصم. أو أن تتخذ تعبيرات عبر الإشارة الصريحة إلى عدم الخجل من اسم الأم كما فعل محمد يسنا قائلاً: "اسم أمي نعيمة، وزوجتي ماجدولين، وبنتي تالا، وأخواتي منال وصفاء، وابنتي أختي جودي وحلا. النساء هن المجتمع وهن عنوان فخر".
تجدر الإشارة إلى أن ما جرى ليس محصوراً في بعض المناطق الفلسطينية، فهذا الأمر موجود في مصر. إذ يمتنع الكثير من المصريين عن الجهر بأسماء أمهاتهم، مما دفع الأمم المتحدة إلى إنجاز فيديو في مصر، يدعو إلى عدم الخجل من إسم الأم والإعلان عنه عرفاناً بمكانتها ودورها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها