كلام فيّاض يعني من زاوية أخرى، أن عرض نصرالله أُدرِج على قائمة الوزارة كحلّ. لكن لا يمكن للوزير المرور سريعاً على العرض ويستتبع كلامه بعبارة "بالتزامن معه"، ما لم يكن يفكّر جديّاً بالعرض. وبالتالي، هل سأل الوزير نفسه لماذا لم يقدّم العرض مرجع إيراني رسمي؟ ولأن الجواب مفقود، يبقى نصرالله وحده هو "الجهات المعنية" التي ستقدّم لفيّاض تفاصيل عرضٍ غير حقيقي.
أيضاً، ولأنه لا يمكن عرض خطاب لرئيس حزب، على مجلس الوزراء ونقاشه بوصفه مبادرة إيرانية رسمية، ما لم يصدر عن مسؤول إيراني. وهنا، لا بد من العودة إلى تصريح وزير الطاقة السابق ريمون غجر، حين قرّر الحزب الإتيان ببواخر المازوت في العام الماضي. حينها، أكّد غجر أنه لم يتلقَّ طلباً رسمياً لاستيراد الوقود الإيراني، ومَن يريد إدخاله إلى لبنان، لم يحصل على إذن مسبق. وبالتالي، لم يحصر غجر أي مبادرة وأي فعل يخصّ المحروقات، بمسار رسمي يمرّ عبر الوزارة، ولم ينزلق لتبنّي سمك في البحر.
معضلة التمويل
بعيداً من نوايا الخطابات والشعارات، فإن جلب الهبة الإيرانية يستتبع تأمين دولارات نقدية، تجاهَلَها فيّاض، ذلك لأنه يرمي مسألة التمويل على عاتق الخزينة، وهو نهج معتمد في وزارة الطاقة بعيداً من هوية الوزير. وإن كان الفيول مجانياً، فنقله من إيران إلى لبنان، وإجراء الاختبارات لمعرفة ما إذا كان صالحاً للمعامل أم لا، أمرٌ مكلف وليس مجانياً. ناهيك بامكانية أن يكون قصد نصرالله بالفيول، الغاز أويل، على غرار ما يورّده العراق، فتزيد على الفاتورة كلفة معالجته وتحويله إلى فيول للمعامل.
تلك الأكلاف ستضاف إلى ما سيدفعه لبنان للعراق في حال تجديد الاتفاقية معه وزيادة كميات الفيول المستورد. وكذلك في حال موافقة الجزائر أو تركيا على استئناف التعاقد مع لبنان. وهي أكلاف لا يمكن تجاوزها إلا إن قرّر لبنان الاكتفاء بالنفط الإيراني المزعوم وفك التعاقد مع العراق، وهو أمر مستبعد.
ما ليس مستبعداً أيضاً، هو استغلال وزارة الطاقة العرض الخطابي لنصرالله، للضغط على الحكومة ومصرف لبنان، الأولى لإقرار سلفات خزينة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان لتأمين الفيول، والمصرف لتبديل ليرات السلفات بالدولارات، وهو ما لن يقبله الطرفان، فتغدو الوزارة بصورة البطل، والحكومة والمصرف بصورة المعرقل. ولا بأس إن تناغَمَ الحليفان في طرح الشعارات، ما دامت مكسباً لطرفين يريدان توزيع جزء من الفشل على زملائهما في المنظومة.
بين إيران وأميركا
يريد نصرالله من إيران أن تقدّم هبة من الفيول. وهو صاحب تجربة سابقة غير مشجّعة، إذ بيعَ المازوت بسعر يقل قليلاً عن سعر السوق، ذلك نتيجة عدم دفع الضرائب والرسوم، فيما قيل بداية أنه هبة. ثم قيل أن رجال أعمال مقرّبين من الحزب دفعوا ثمن الشحنات مسبقاً. علماً أن أسعارها كانت ترتفع مع ارتفاع أسعار المحروقات في السوق، فكيف يكون الدفع مسبقاً؟
إيران مأزومة اقتصادياً وكهرباؤها مقطوعة عن الملايين من الناس منذ سنوات، وأعلنت الشهر الماضي تدابير لمواجهة نقص الكهرباء. ومع ذلك، لا يهتم نصرالله وفيّاض للتفاصيل الاقتصادية والمالية. فالأول يريد من كل هذه العراضة موقفاً سياسياً موجّهاً للسفيرة الأميركية دوروثي شيا، ولخصوم الحزب في لبنان. والثاني يريد خروجاً مشرّفاً من الوزارة مهما كلّف الثمن.
على أن المساحة التي يستغلّها الحليفان للمناورة، هي تأخّر حسم الولايات المتحدة الأميركية قضية الإعفاءات من تداعيات قانون قيصر، لتسهيل مرور الكهرباء والغاز. وهو أمر ليس بيد السفيرة الأميركية بل بيد البنك الدولي والكونغرس. مع التذكير بأن على لبنان، في جميع الأحوال، تأمين الدولارات، وهو ما يعيد النقاش إلى نقطة الصفر.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها