بل كل ما في الأمر أن المصارف ارتأت تهدئة الأجواء مع مصرف لبنان، وتحضير الأرضية لاعادة هيكلة القطاع، تمهيداً لمتغيّرات ما، قد تطرأ في البلاد. فضلاً عن توصُّل المصارف إلى قناعة مفادها ضرورة التكافل لضمان إبقاء السيطرة على البلاد واقتصادها. فالمنظومة الحاكمة لا تريد تغيير النظام السياسي، وحُكماً النظام الاقتصادي. كما أن مفاعيل انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 ونداءات الاقتصاص من القطاع المصرفي، خفتت كثيراً إلى حدّ الضمور، ما عزَّزَ موقف المصارف وموقعها داخل النظام. كما أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يقطع شعرة معاوية مع جمعية المصارف، رغم كل المعارك التي دارت بينهما في أعقاب الانتفاضة والفترة التي تلتها.
الدلالات على عدم ابتعاد الخطر، كثيرة، أبرزها على حد تعبير رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل، "عدم تشكيل حكومة وغياب بوادر تشكيلها في وقت قريب. بالإضافة إلى توقّف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وعدم الوضوح في ما يخص مستحقات حاملي سندات اليوروبوند". على أنّ غبريل لا ينكر خلال حديث لـ"المدن"، أهمية زيادة المصارف لرساميلها كخطوة على طريق "اعادة الرسملة والالتزام بمعايير السيولة والملاءة"، لكن حبّذا لو أتت هذه الخطوة "بالتوازي مع ورشة إصلاحية واتفاق الحكومة مع صندوق النقد، وانطلاق المحادثات لإعادة جدولة استحقاقات سندات اليوروبوند.. فمن شأن الاتفاق أن يضع رؤية أفضل للمستقبل، سواء للبلاد أو للقطاع المصرفي". ويخلص غبريل إلى أن "المصارف تعمل على موضوع الرسملة لضمان التزامها به، ضمن المهلة الزمنية التي وضعها مصرف لبنان، والتي تنتهي في شهر شباط المقبل". مع الإشارة إلى "إمكانية طلب بعض المصارف تمديد المهلة لتتمكّن من زيادة رساميلها". ويلفت غبريل النظر إلى أن "لا مصارف حتى الآن قد حسمت خيارها بعدم زيادة رساميلها، وبالتالي الخروج من السوق".
وعلى مستوى عام، لا يؤيّد غبريل وصف حال القطاع المصرفي بالإيجابي، رغم سعي المصارف للالتزام بالتعاميم والقرارات، ذلك أن المصارف تعيش واقعاً "ضبابياً" يفرضه التخبّط السياسي.
تستشعر المصارف المرحلة المقبلة رغم ضبابيّتها. فهي الأقوى سلطةً والأقدر مالياً. وتستطيع تمهيد الطريق لما هو آتٍ، على عكس مودعيها الذين يتخوّفون من أيّ ترتيبات تقوم بها المصارف. فذلك يحمل إمكانية تضييق الخناق على ما يرشح عن المصارف للمودعين. أمّا الاتّكال على مصرف لبنان، فذلك أمرٌ مستحيل. فالمصرف المركزي يساند أبناء جلدته لا المودعين. وهو الذي بدَّدَ أموال الناس بهندسات مالية لصالح المصارف، وبتمويل الإنفاق العام لصالح أركان المنظومة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها