الجمعة 2015/09/25

آخر تحديث: 10:09 (بيروت)

أبو داوود.. الذي أضاء الحجر

الجمعة 2015/09/25
أبو داوود.. الذي أضاء الحجر
الرجل الستيني، بشعره ولحيته البيضاء، توصل إلى فن جديد داخل فن النحت (عبدالله الحجيري)
increase حجم الخط decrease
يجلس أبو داوود (حسين الحجيري)، أمام منزله في عرسال، تحت مظلة بسيطة استحدثها بنفسه، لتقيه حر الشمس، وهو منكب على نحت أرزة حجرية، يقوم بالتفنن فيها، حيث ينحت كلمة "لبنان" في داخلها. 


الرجل الستيني، بشعره ولحيته البيضاء، توصل إلى فن جديد داخل فن النحت، وهو "إضاءة الحجر". أبو داوود، الذي لم يمض على عمله في هذا الفن أكثر من سنة، قام بصنع فوانيس حجرية، بطريقة دقيقة ومعقدة جداً، حيث يقوم بتفريغ نوعية معينة من الأحجار، وبتوصيل مصباح كهربائي إلى داخلها، يعطي ألواناً رائعة عند الإضاءة، مختلفة عن ألوان الحجر الأساسية.

يروي أبو داوود أنه كان حداداً في ما مضى، لكن مرضاً اصابه منعه من ممارسة عمله، فبدأ منذ حوالى السنة، على سبيل الهواية وتمضية الوقت، بصنع منحوتات حجرية، تختلف عن اعمال النحاتين الآخرين، ليتعمق ويبدع في هذا الفن. يقول أبو داوود: "عندما بدأت أخبر بعض النحاتين انني سأصنع فانوساً حجرياً يضيء من الداخل، اتهموني بالجنون والهذيان، فكيف للضوء ان يعبر الحجر، لكن عندما شافوا الفانوس عم يضوي، ضوا راسهن". الأحجار التي يستعملها في أعماله هذه، يبحث عنها في مقالع الحجر في عرسال وفي البرية، وبعضها أحجار مستوردة، يستحصل على أجزاء منها، وبعضها الآخر يجده بالصدفة عند بعض أصدقاءه.

يلفت الحجيري، إلى أن عدداً من النحاتين يقدرون على صنع فوانيس كالتي صنعها بعد الاطلاع عليها، لكن همه الوحيد يبقى أن يعرف الناس أنه هو من توصل إلى هذا الاكتشاف، الذي انطلق من عامل بسيط، لا يمتلك الأدوات الكافية لممارسة عمله. يشير أبو داوود "عدتي هي صاروخ حجر، ومقدح فقط. لو كان عندي عدة نحات محترف، كنت صنعت تحفاً لم يرها أحد".

لا تقتصر أعمال ابو داوود على الفوانيس الحجرية فحسب، بل يصنع تحفاً وأدوات حجرية، كالنراجيل وعدة القهوة العربية، "الفرق بيني وبين غيري من النحاتين، إنني أنحت تحفاً قابلة للاستعمال، كالنراجيل، بينما يصنع غيري تحفاً للمنظر". ويضيف: "انجاز كل واحدة يحتاج إلى 4 أو 5 أيام شغل، بينما القطع التي يصنعوها، يمكنك أن تصنع عدداً منها في النهار الواحد".

يبيع أبو داوود تحفه الحجرية للاصدقاء المقربين، الذين يقدمونها بدورهم كهدايا، بسعر يتراوح بين 200 و500 دولار للقطعة الواحدة، "أعرف أن ثمنها يفترض أن يكون أعلى مقارنة بالمجهود الذي أقوم به، لكن كما يقولون بحصة تسند جرة، وهذا ما يساعدني في مصروف البيت".

لم يتلق ابو داوود الدعم أو الاحتضان من أية جهة، حيث يأتي العديد من الاشخاص، بعضهم تابعين لجمعيات أهلية وتراثية، بهدف الفرجة، ويعدونه بمساعدته من خلال عرض أعماله في معارض أو ما شابه، لكن حتى اليوم لم يتلق رداً أو مساعدة في هذا المجال.

يحاول الحجيري بيع تحفه الحالية، وشراء أدوات للعمل، تساعده في عمله، حيث يفكر في صنع مجموعة تحف حجرية، كالتي كان يستعملها الفلاحون القدامى في عملهم، كالمنجل والمطرقة والمحراث والمعول وغيرها.

أبو داوود، الذي يقدم فناً حقيقياً ورائعاً، من خلال أدواته البسيطة جداً، يبقى مثالاً للعامل والفنان اللبناني البسيط، الذي لا يلقى احتضاناً أو التفاتة أو رعاية حقيقة، من أية جهة كانت، رسمية أو غير رسمية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها