الأحد 2015/08/09

آخر تحديث: 12:49 (بيروت)

"سوسة" صيد الحجل

الأحد 2015/08/09
increase حجم الخط decrease
تعتبر هواية صيد الطيور البرية من أكثر الهوايات إثارة للجدل، حيث تصطدم معظم الأحيان بتشريعات قانونية خاصة، تحدد أوقات ممارستها والأدوات المسموح استعمالها في الصيد. كما أن الجمعيات المعنية بحماية الحيوانات تعتبرها جرائم بحق البيئة والطبيعة، لأنها تهدد بعض أصناف الطيور بالانقراض.


أما في لبنان، فإن الجهات المختصة بالصيد البري، تحدد بعض اللوائح والشروط للصيد، لكن هذه الإجراءات غالباً ما تكون شكلية، فلا يلتزم بها أحد من الصيادين. وقد نشرت وزارة البيئة في نهاية العام 2014 كتاباً، عددت فيه عشرة أنواع من الطيور المهددة بالانقراض، وخمسة عشر نوعاً آخر شبه مهددة بالانقراض.

وفي الفئة الأخيرة يُصنف الحجل، ساكن الجبال، الذي يضرب المثل بخفته ورشاقته ومشيته وصوته العذب، والذي يعتبر من أنواع الطيور القليلة التي لا تزال تسكن لبنان. وينقسم صيد الجحل إلى شقين، الشق الاول وهو صيده بالبنادق بهدف قتله مثل أنواع الطيور الأخرى. والشق الآخر يتمثل في صيده حياً عن طريق الأشراك والأفخاخ، وهو ما يعرف بـ"صيد الدَكر"، والذي يصطاد بهذه الطريقة يعرف بـ"صياد الدكر".

"اصطياد الحجل حياً، هو عملية معقدة وصعبة وتحتاج إلى صبر وخبرة كبيريين نظراً لذكاء الحجل"، كما يقول حسين الحجيري (30 سنة) أحد "صيادي الدكر" في عرسال. يضيف الحجيري أن "سهر ليلة أو اكثر في أعالي الجرود، في ظل ظروف مناخية قاسية جداً، لا يحسب أمام الفرحة والفخر بالتقاط حجل أو أكثر". ويصف الحجيري كيفية صيد الحجل بأنهم ينصبون الشرك الذي يسمى "القطعات"، ويضعون قربه حجلاً في قفص، ويختبئون في مخبأ يجهزونه يُعرف بالستارة، ويسهرون الليل بأكمله يراقبون القطعات منتظرين مجيء الحجلان البرية، لتعلق في الفخ.

ويشير الحجيري إلى أن عملية الانتظار صعبة للغاية، خصوصاً أن موسم صيد "الدكر" هو في شهر آذار، حيث تكون الحرارة 15 تحت الصفر تقريباً في الجرود في ظل الثلوج المتراكمة، وعلى الصياد أن لا يتكلم ولا يأتي بأي حركة خلال فترة الانتظار هذه.

"الحجل الصياد"، الذي يصطحبه الصياد معه لجذب الحجلان البرية، له الدور الأبرز في عملية الصيد، ولكن ليس كل حجل صياداً، أو "مش كل حجل قعد عالمنصب بيتكلم". فبعض الحجلان عندما تسمع اصوات الحجلان البرية تسكت ولا تتكلم. والصيادون يعيبون على الصياد الذي لا يتكلم حجله فيقولون "خرق حجله". ويصل سعر الحجل الصياد، الذي يتم تجريبه في مواجهة الحجلان البرية، إلى حوالي 2000 دولار. فيما سعر الحجل العادي حوالي 30 دولاراً.

في اجتماع الصيادين، لا حديث لهم غير الصيد، وعن الرحلات والأماكن التي اصطادوا فيها الحجلان، وعن أماكن تواجدها، ويتفاخر كل صياد بحجله. صيد "الدكر" هي "سوسة"، كما يعلق الحجيري، في إشارة إلى أن من يمتهنها يدمن عليها. وهو يروي قصة أحد الصيادين الذي تجمد وهو ينتظر في الستارة، وتم نقله إلى المستشفى وبقي حوالي 10 أيام يخضع للعلاج. وعن أسباب هذه "السوسة"، يعتبر الحجيري أن "اصطياد الحجل حياً، هو حكر على مجموعة معينة من الصيادين، لهم خبرة في هذا المجال، ولا يمكن للصياد العادي ان يلتقطه، فيصبح الأمر أشبه بالتحدي، إضافة إلى جمال الحجل وصوته الشجي والمميز". وفي السنتين الأخيرتين، ومع تعذر الوصول إلى جرود عرسال، ينظم الصيادون رحلات صيد إلى سلسلة جبال لبنان الغربية لصيد الحجل، لأنهم "مدمنون على الصيد"، كما يقولون.

يستنكر صيادو "الدكر"، قتل الحجل، ويعتبرونه جريمة، باعتباره أحد أنواع الطيور القليلة المتبقية التي تسكن الجرود، وتحصل مشادات ومشاكل بين "صيادي الدكر" و"صيادي الجفت"، الذين يقتلون طيور الحجل. وعادة ما يقوم صيادو "الدكر" بإطلاق بعض طيور الحجل، ويستبقون الحجل الصياد فقط.

ولتفقيس وتناسل الحجل قصة أخرى. فبعدما يضع الصياد ذكراً وأنثى للتزاوج، تبيض الأنثى ما بين 10 و20 بيضة في الموسم الواحد، في أواخر نيسان. توضع البيوض تحت أنثى الحجل لمدة 23 يوماً، أو تحت دجاجة في غالب الأحيان، في حال لم تحتضنها أنثى الحجل. بعد تفقيس البيض، توضع الفراخ في قفص في الشمس، بهدف تدفئتها، وفي الليل توضع في قبعة صوفية، وتتم تغطيتها بالبيض المسلوق والخس. وبعد مرور شهر ونصف، ينبت الريش على أجساد الفراخ. وفي هذه الفترة يخرج الصياد إلى البرية لالتقاط بعض الاعشاب التي تسمى "المرير" وبعض الجنادب، التي تعتبر الغذاء المفضل للحجل. وبعد مرور شهر آخر، يقوم الصياد بفرز فراخ الحجلان، بين جيد وأقل جودة، فيحتفظ بعدد منها، ويهدي البقية لاصدقائه الصيادين، باعتبارها هدية غالية وثمينة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها