الجمعة 2014/06/20

آخر تحديث: 17:59 (بيروت)

طرحة زرقاء من دمشق

الجمعة 2014/06/20
طرحة زرقاء من دمشق
ينتظرون تسجيلهم كلاجئين سوريين في طرابلس - شمال لبنان (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
لم تكن رغبة أم عمار الحلبية، في تزويج ابنها من فتاة حلبية نازحة مع أهلها في لبنان، أقل من رغبتها في نجاح الثورة وسقوط النظام. وعلى طريقين معاً تسير آمالها، طريق الثورة التي لا بد لها من الوصول إلى غايتها بأثمان كبيرة من الدم. وطريق موازِ لغسل الدم بما فيه من فرح وإصرار على الحياة.

تزف عروس ابنها بصمتٍ، وتحجز له غرفة في منزلها المستأجر. ستكفيها الغرفة الوحيدة المتبقية في المنزل الصغير المؤلف من غرفتين فقط. كل ذلك حدث على عجل، كما قالت المرأة في ما بعد. الحياة لا تتوقف على هامش نزوح السوريين، في بيوتهم المستأجرة أو في خيامهم المرمية في جرود لبنان.

تقف لتلقي التحية بابتسامة عند باب بيتي، وبلا مقدمات أو حديث سابق بيننا تقول: "أنا زوجتُ ابني ألا تريدين أن تزوريني؟". كانت دعوة على غير المعتاد لحضور حفل زفاف في بلاد غريبة.. "شو بدنا نعمل يا بنتي، أنا همّي أن أزوج أولادي وأطمئن عليهم في بلاد الغربة". وتضيف بنبرة أمل: "مهما طال الوقت سيكون قدرنا أن نعود إلى حلب، حتى ولو كانت مهدمة".

فاطمة كانت عروساً على عجل. "الخطّابة" اصطادتها لتكون شريكة شخص لم تعرفه من قبل. ولم تتوقع أن تزف من منزل أقربائها النازحين المستأجر في لبنان. كان من المتعذر أن تخرج من بيت أهلها المكون من غرفة واحدة. كل شيء ضيق في النزوح، البيت والملابس والحياة أيضاً. ملامح فاطمة الحزينة ظهرت رغم فستان العرس الذي ترتديه. تختصر في صورتها وجعَ أهل حمص والسوريين جميعا. يريدون الحياة رغم كل ما يحيط بهم من موت.

أم عبدو الحمصية التي استضافت عرس فاطمة في بيتها، ترحب بالحضور الخجول لأقرباء العروس قائلةً: "والله ملّينا من الحزن ومن زمان ما فرحنا"، وكأنها تريد أن تجد تبريراً للحياة. وتابعت:"والد العروس في حمص هو من تكفل بحفل زفاف ابني في صالة الأفراح الجميلة الواسعة التي يمتلكها. لكن، الله يجازي يلي كان السبب".

كانت أم عبدو قد عادت إلى حمص لتطمئن على منزلها بعد عامين من الهجرة القسرية، وكما قالت: "شقا العمر كله وجدته مسروقاً ومخرّباً. سرقوا كل شيء باستثناء الثياب، ورشوا كل شيء بالمازوت. كان البيت لم يحترق بعد، لكنه بالتأكيد يحترق الآن كما هو الحال في جميع بيوت سوريا".

نساءٌ يتهامسن في ما بينهن. كل واحدة تعبر بطريقتها وتتحدث عن ما جرى في حمص وعن حياة ماضية كانت تملأ أحياءها. يتهامسن بخوف لازمهن حتى في نزوحهن، وفاقمه المشهد الأخير عند دخول النظام إلى أحياء حمص القديمة. صوت الأغنية المرتفع والخارج من الهاتف الجوال قطع همس النساء لتبدأ حفلة رقص قصيرة على أغاني الثورة وأغان من تراث حمص. وفي دوامة الحزن والنزوح نسي كلّ من أهل العروسين إحضار المنديل الأبيض، "المزوية"، الذي يغطي رأس العروس حين خروجها. كان ثمة شرشف أزرق صنعته نازحات في إحدى ضواحي دمشق، حملته معها امرأة قادمة حديثاً من دمشق. لم يكن هناك سوى هذا الشرشف ليكون "مزوية" فاطمة وغطاء رأسها، حيث لا يحن على الغريب سوى الغريب.

ها هي المرأة السورية تجسد الحياة في كل تفاصيلها وبكل فصولها، لكي لا تكون الأم الباكية دائماً. بل المرأة صاحبة النزوع الدائم الى الحياة رغم اشتداد الموت. ورغم ما تتحمله من أعباءٍ في إعالة أسرتها بعدما ثبت بحسب الاحصائيات وجود ما يزيد عن 80 ألف أسرة سورية باتت تعيش اليوم من دون معيل.
increase حجم الخط decrease