الإثنين 2014/10/27

آخر تحديث: 14:05 (بيروت)

مخيم برج البراجنة: الحياة "المتصدعة"

الإثنين 2014/10/27
مخيم برج البراجنة:  الحياة "المتصدعة"
قتل نحو 30 شخصا، في السنوات السبع الماضية، صعقا بالكهرباء (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
تتشابه المخيمات الفلسطينية في لبنان في شكلها الجغرافي. ويكاد يقتصر الإختلاف بينها على حجم المآسي المعيشية ونسب سوء الإدارة. هكذا، شوارعها الضيقة تملؤها الحفر، وجدرانها المنسية لا تحمل الا صوراً وشعارات، ومنازلها تتلاصق بشكل عشوائي، فيما تُغيّب أشرطة الكهرباء وأنابيب المياه المتشابكة السماء وشمسها. وهذه جميعها تشكل صورة أولى للحرمان الذي تعيشه المخيمات.

يعتبر مخيم برج البراجنة، في بيروت، صورة مصغرة عن الإثني عشر مخيماً فلسطينياً في لبنان. وهو يعاني من مشاكل كثيرة تتعلق بشبكات الصرف الصحي المهترئة والمنازل المتصدعة وأشرطة الكهرباء العشوائية التي تسببت في مقتل عدد غير قليل من أبناء المخيم.

يقول زاهر، وهو أحد سكان المخيم، إن "مشاكل المخيم بدأت منذ عشر سنوات تقريباً. قبل هذا الوقت كان المخيم مكاناً جيّداً للسكن بالرغم من غياب التسهيلات الخدماتية". في الراهن، هناك بيوت لا تدخلها الشمس. "وهي تُبنى على بعضها البعض، مما قضى على أي فسحة فارغة، وعلى الخصوصية. ذلك أن أي خلاف بين جيراننا نسمعه بالكامل وكأننا معهم". وهو يرى ان سبب هذا التغير والضياع هو "البناء غير المنظم والعشوائي للبيوت الذي حفزته اللجان الشعبية والأمنية، التي يُفترض أن مهمتها الإشراف على سير الأمور في المخيم".

أما أبو هيثم، الذي خسر أخاه قبل سنوات بسبب أشرطة الكهرباء غير المنظمة، فيقول بحسرة "لا يمكن أن أنسى ذلك اليوم. كان أخي يعمل على إصلاح عطل في الشبكة وكانت كهرباء الدولة مقطوعة. حدث أمر غير متوقع. اذ عادت الكهرباء في غير موعدها. عادت هذه المرة وأخذت أخي وتركت عائلته بلا معيل وأطفاله أيتاماً. لم يتحمل أي أحد مسؤولية ما حصل. مات أخي كما مات قبله كثيرون، وكما سيموت بعده كثيرون". والحال أن ما تغير منذ ذلك اليوم، وفقه، "هو إزدياد أشرطة الكهرباء وإزدياد الخطر على أبناء المخيم".

يشير أحمد مصطفى، وهو مسؤول في اللجنة الشعبية للمخيم، إلى ان مشكلة الكهرباء في المخيم خطيرة ومستدامة. "ففي الأسبوعين الماضيين مات نتيجة الصعقات الكهربائية نازح سوري وامرأة من سكان المخيم". وهذان الحادثان ليسا الأولين، فقد بدأت هذه المشكلة منذ سبع سنوات وراح ضحيتها نحو 30 شخصاً. "وهي ناتجة من إختلاط أشرطة الكهرباء مع أشرطة الهاتف والانترنت وأنابيب المياه". ويلفت مصطفى إلى أن مشروع فصل أنابيب المياه عن شبكات الكهرباء "نُفذ ولكنه لم يطل كل أحياء المخيم".

وصارت مشكلة البيوت المتصدعة بارزة جداً في المخيم. ذلك أن ما يقارب 800 منزل بحاجة الى إصلاح وإعادة تأهيل. وقد أعيد تأهيل 130 منزلا وتمت الموافقة على تأهيل 63 منزلا. إلا أن ذلك لم يمنع من حدوث إنهيارات وسقوط أجزاء من المباني على سكانها. ويقول أحمد: "رممت سقف منزلي ودعمت أساساته على حسابي الخاص رغم ارتفاع التكلفة المادية. فبعد العديد من الحوادث شعرت بالخطر وبالخوف على أولادي، فأنا لن أنتظر الأونروا لكي توافق على إصلاح منزلي، ومن يعلم ما يمكن أن يحدث خلال فترة الانتظار هذه". يضيف: "لقد مللنا من وعود الأونروا والوفود الأجنبية. نحن بحاجة اليوم الى إجراءات سريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لأن المنازل في خطر حقيقي".

ويشير مصطفى الى ان منع السلطات الرسمية اللبنانية لإدخال مواد البناء، "في الوقت الذي تبنى فيه بيوت من طريق تهريب المواد والسمسرة، يشكل أزمة في سبيل إصلاح البيوت، وخاصة أن الموافقة على طلب إصلاحها من قبل الاونروا يحتاج سنوات". وهو يرجع تصدع هذه البيوت الى "البناء العشوائي وغير المدروس هندسياً. كما أن المياه شديدة الملوحة تؤثر على زيادة هشاشة البناء، كما كان لحرب تموز وقصف الضاحية الجنوبية إرتدادات سيئة على الأبنية وأساساتها".

وتشير دنيا الى مشكلة طوفان المخيم في الشتاء، وخاصة في حيّ "جورة التراشحة". اذ "تتحول حارتنا من منطقة سكنية إلى ما يشبه النهر، مع روائح كريهة. حتى أن المياه المبتذلة تجد طريقها الى منزلي والى المحال التجارية، فيصبح التنقل صعباً". وهي تتحدث عن الوعود الدائمة من قبل "الأونروا" والوفود الأخرى بـ"تأهيل البنى التحتية في المخيم، التي لم يتحقق منها شيء بعد حتى هذه اللحظة".

والحال أن هذه المشاكل جزء صغير من المشكلات الخدماتية المعقدة التي يعاني منها المخيم. فلا يمكننا أن نتجاهل "مشكلة مياه الشرب الملوثة وغير الصالحة للشرب، وغياب المساحات التي يمكن ان يلعب فيها الأطفال. ففي المخيم لا توجد شجرة إلا في المقبرة. لكن حتى المقبرة هذه ضاقت بأمواتها وأصبح المخيم بحاجة الى واحدة جديدة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها