الثلاثاء 2014/09/30

آخر تحديث: 14:31 (بيروت)

"شهداء المقالع" في عرسال.. ضحايا الجغرافيا والعشوائية

الثلاثاء 2014/09/30
"شهداء المقالع" في عرسال.. ضحايا الجغرافيا والعشوائية
هناك نوع من التكافل الاجتماعي بين العمال واصحاب العمل، حيث يتساعدون لتغطية تكاليف الاستشفاء (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

يفتخر أهالي عرسال، بأنهم قدموا مئات الشهداء في الدفاع عن لبنان خصوصاً في الجنوب وفي معارك نهر البارد. لكن يبقى نضالهم الأهم، الذي قدموا وما زالوا يقدمون في سبيله عشرات الشهداء والجرحى، هو نضالهم في سبيل لقمة عيش كريمة من خلال عملهم في المقالع والكسارات في السلسلة الشرقية.

"لقمة مغمسة بالدم"، هذه المقولة تنطبق بشكل دقيق على حوالي 1000 عامل، يتوزعون على أكثر من 200 مقلع حجري في جرود عرسال. واللقمة المغمسة بالدم هنا ليست مجازية بل واقعية وتثبتها الوقائع والأحداث. استخراج الصخور من هذه المقالع يتم غالباً عبر تفجيرها بكميات كبيرة من المتفجرات. والأخطاء الكثيرة والمتوقعة في كل تفجير، إضافة إلى احتمال وضع صواعق يتبين أنها مغشوشة، يشكلان ما يشبه الفخ لصانع التفجير، وقد أودت هذه الأخطاء وما تزال بحياة العشرات من أبناء البلدة، من بينهم من هم دون الثامنة عشرة من العمر. هذا عدا عن العدد الهائل من الجرحى الذين يصابون يومياً من خلال حوادث العمل في المقالع والكسارات، وبعضها يتسبب في أعطاب دائمة للعمال، كفقدان بعض الأطراف أو إصابات في العيون وغيرها.

ومن خلال التأمل في ماضي عرسال القريب يمكن رصد عشرات الأسماء التي انضمت إلى ما يمكن تسميته "شهداء المقالع"، بدءاً من أبو خالد الزير الذي قتل وأصيب شقيقه أبو وجيه بعينه، وصولا إلى محمد أبو دام الفليطي الذي وقع عن ظهر الشاحنة أثناء استعدادها لنقل الصخور. لكن برغم صعوبة العمل في المقالع وخطورتها، إلا أنّ ذلك لم يمنع العراسلة من مواصلة عملهم فيها.
خالد الحجيري، صاحب مقلع، ويعمل فيه أيضاً، تعرض لإصابة أثناء عمله، على إثرها بُترت ثلاثة أصابع من يده. ويشير في حديثه لـ"المدن"، "هيدي رزقتنا، وهيدي حياتنا، ما عنا مصانع ولا مؤسسات ولا وظائف نشغتل فيها. بدنا نحفر الصخر حتى ناكل خبز بكرامتنا". ويتابع حديثه عن إصابته: "الحمدالله يلي إجت هيك، هيدي إصابة زغيرة مقارنة بالناس يلي ماتت ويلي فقدت عيونها أو إجريها أو صابها حالة شلل دائم". ويلفت إلى أنه ما يزال يعمل في العمل نفسه وفي المقلع نفسه أيضا، كسائق جرافة لانعدام البديل لديه.

حالة أحمد رايد تبدو أكثر مأساوية. وهو شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين، فقد النظر في إحدى عينيه بعد إصابتها وهو يحضر أحد الألغام الأرضية في مقلعه. وهذا عمله المعتاد الذي يقوم به كل يوم. يشرح لـ"المدن" عن سبب هذه إصابات عمال المقالع، فيقول: "إعداد الألغام بهدف استخراج الصخور أمر روتيني نقوم به يومياً. لكن بعض المواد المستخدمة في التفجير، تكون أحياناً غير صالحة للاستعمال، فينفجر اللغم فجأة، قبل أخذ الاحتياطات اللازمة".

عشوائية العمل بلا تأمين
الكارثة الأخرى التي يعاني منها العمال وأصحاب هذه المقالع على السواء، هي غياب أي نوع من الضمان أو التأمين، باعتبار أن هذه المقالع المنتشرة على طول جبال السلسلة الشرقية وجبالها، غير مرخصة، والدولة تتغاضى عنها لأنها تمثل مصدراً يعتاش منه عدد كبير من أبناء عرسال. كذلك فإن تجارب أصحاب المقالع غير مشجعة مع شركات التأمين، فالعدد القليل من معامل الحجر المتفرعة من المقالع، والتي حصلت على تراخيص قانونية، وقامت بالتأمين على عمالها، اصطدمت بـ"احتيال" شركات التأمين، وتنصلهم من معالجة بعض الجرحى، وتقديم حجج واهية للتهرب من دفع التعويضات.

علماً أن غياب التأمين لا يمثل مشكلة بين العمال وأصحاب المقالع، فأصحاب المقالع هم أنفسهم يديرونها ويعملون فيها، وبالتالي هم كغيرهم عرضة لكل أنواع الحوادث. وفي حالات الإصابة، هناك نوع من التكافل الاجتماعي بين العمال واصحاب العمل، حيث يتساعدون لتغطية تكاليف الاستشفاء.

increase حجم الخط decrease