الاتصالات تربح.. لكن "الصعوبات المالية" تمنع تطورها

خضر حسان

السبت 2016/12/03
احتكرت الدولة اللبنانية خدمة الاتصالات منذ العام 1959 حتى العام 2002. فحصرت إنشاء وتجهيز واستثمار خدمات الاتصالات، بوزارة الاتصالات التي تعتبر الجهاز الإداري للدولة في هذا المجال.

في مطلع الألفية الثالثة قلّصت الدولة، التي تملك قطاع الاتصالات، طوعاً صلاحياتها في القطاع، إنفاذاً للقانون الرقم 431 الذي يقضي بتحرير قطاع الاتصالات وإشراك القطاع الخاص في تأمين خدمات القطاع تسييرها، من دون المس بإحتكار الدولة استثمار "خدمة التخابر وما يتفرّع عنها من خدمات، ولاسيما خدمات نقل الصوت عبر بروتوكول الإنترنت". وبذلك، أصبح أمام القطاع الخاص فرصة في إدارة قطاع الاتصالات، مع تسيير خدمة الإنترنت عبر DSL و3G و4G. والى جانب الاتصالات والإنترنت، تقوم الوزارة اليوم بالرقابة على تشغيل قطاع البريد.

العلاقة بين القطاعين العام والخاص في ملف الاتصالات شهدت محطات تقدم وتراجع، تبعاً للمناخ السياسي المرافق لإدارة الوزارة. واللافت أن هذا المناخ اتّصف بالسوداوية على مدى السنوات العشر الماضية، علماً أن الفساد قبل ذلك كان ينخر عظم القطاع، لكن الهدوء السياسي العام في البلاد حينها وبطء التطور في مجال الإنترنت، أبعدا القطاع عن السجال العميق، غير أن ذلك لم يُبعد القطاع عن الصعوبات المالية التي تمنع تطوّره نظراً للعجز المالي للدولة عموماً، لكن الوضع المالي للوزارة، وفق الوزير بطرس حرب، يتحسّن. وقد أدت السياسات التي اعتمدتها الوزارة بين عامي 2014 و2015، إلى "رفع إجمالي مدخول الدولة من الهاتف الخليوي 65 مليون دولار". ويؤكد حرب أن قطاع الاتصالات يُنتج "نحو ملياري دولار (سنوياً)، يتم إنفاقها على عجز قطاع الكهرباء".

ووسط الواقع المالي "المتفائل" في الوزارة، إلاّ أن مسألة التحويلات المالية من الوزارة إلى الخزينة العامة وإلى البلديات دخلت في سجال طويل، أهمها التي أثارها وزير الاتصالات الأسبق شربل نحاس حين دعا إلى تطبيق القانون القاضي بإعطاء البلديات مستحقاتها من عائدات الهاتف، بعدما كان التحويل متوقفاً. واستمر السجال حتى عهد حرب، إذ بدأ التحويل.

عليه، فإن الصخب رافق القطاع منذ العام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري وبروز أهمية داتا الاتصالات في هذا الملف، وصولاً إلى مرحلة اكتشاف شبكة الإنترنت غير الشرعية وأزمة هيئة "أوجيرو" ومديرها العام عبد المنعم يوسف، وإطلاق الوزير حرب خطته الخمسية لتطوير القطاع، مروراً بالسياسات الإدارية التي سارت بها الوزارة في عهد الوزراء جبران باسيل (2008-2009) وشربل نحاس (2009-2011) ونقولا صحناوي (2011-2014).

مع حلول العام 2008 أصبح قطاع الإتصالات أكثر "سخونة"، خصوصاً بعد الأزمة الأمنية في 7 أيار 2008، والتي شُبّهت بالحرب الأهلية المصغّرة، والتي ارتبط ملف الاتصالات إرتباطاً وثيقاً بها، إذ طرح الارتباط تساؤلات عن دور الوزارة وموقفها من شبكات الاتصالات والإنترنت التي لا تراقبها الدولة ولا تعلم بها أصلاً. ومع مرور الوقت، تأزّم وضع الوزارة والقطاع عموماً تحت ضغط الفساد الإداري المتزايد والمصحوب بتوجه بعض القوى السياسية إلى زيادة ثروتها المادية ونفوذها السياسي والاجتماعي، عبر تنفيذ مشاريع ضامنة للإستفادة. وكان التحاصص في تلزيم عقود شركات الخليوي وجهاً من وجوه التحاصص. أما المتضرر الأكبر فكان ومازال المستهلك المشترك بخدمات التخابر الخلوي والإنترنت، لأن نوعية الخدمة تراجعت، وارتفعت كلفة الإتصالات مع ارتفاع حدة السجال السياسي الذي تحوّلت إحدى صوره إلى "نبش" كل فريق سياسي ملفات تدين موظفين تابعين للفريق الخصم. وليست قضية يوسف سوى صورة من صور تلك المعارك السياسية، بغض النظر عن حيثيات القضية.

السخونة السياسية في ملف الاتصالات ووزارته لم تلغِ حقيقة أن لا أحد من القوى السياسية المتعاقبة على إدارة القطاع، يريد تطوير القطاع بعيداً من المصالح الشخصية. فتطوير القطاع بطريقة علمية يبدأ بتطوير البنية التحتية، بالتزامن مع فتح المجال أمام تنافس المستثمرين. مع الإشارة إلى اأن تطوير البنية التحتية من شأنه تحفيز المستثمرين.

وتُظهر التجربة غير البعيدة من عمر الوزارة عمق الأزمة، حتى مع محاولة الوزيرين الأخيرين، صحناوي وحرب، وضع خطة لتسيير القطاع وإنتشاله من مستنقعه. فخطة صحناوي لم تقدّم شيئاً رغم تأكيده في العام 2014، بعد إطلاق الوزارة تقريرها السنوي عن العام 2013، أن "البنية التحتية للاتصالات اصبحت بمستوى يسمح للشركات بالمجيء إلى لبنان لتصدير خدماتها إلى أفريقيا والشرق الاوسط". ووصف إنجازات عهده بالحلم الذي "يستحيل حقيقة شيئاً فشيئاً". أما عهد حرب فقد طوى صفحة عهد سلفه، وبدل الاعتماد على الخطة السابقة وتطويرها، فضّل حرب إطلاق رؤيته الخاصة للتطوير. فكان مشروع "رؤية الاتصالات 2020"، الذي يرى حرب أنه حقق بعض النتائج الإيجابية على مستوى زيادة عدد المشتركين في خدمة الهاتف الثابت، وعلى مستوى الإنترنت.

لكن عُرف طوي الصفحات مع كل عهد وزاري، يخلص إلى أن رؤية حرب ستُطوى مع التشكيل الوزاري المقبل، لتصبح المشاريع والخطط حبراً على ورق ينتقل من دُرج وزاري إلى آخر، من دون إفادة قطاع الاتصالات من النتائج الإيجابية على مستوى نوعية الخدمة وكلفتها. وهو ما يهتم له المواطن في هذا القطاع، بالدرجة الأولى.

لا يبدو من خلال ملاحظة مسيرة قطاع الاتصالات الذي يعكس الخلل في البنية الإدارية لوزارة الإتصالات، أن الإصلاح آت، مهما رفعت التيارات السياسية التي استلمت أو ستستلم الوزارة شعارات التغيير أو الإصلاح، لأن الأزمة ليست في بضع قرارات تصيب أو لا تصيب، بل هي في بنية النظام السياسي التحاصصي الذس يمنع تطوير أي قطاع، ما دام التطوير يهدد نفوذ الطرف السياسي المسيطر. ولأن مراكمة الأرباح المتأتية من زيادة كلفة التخابر وكلفة الإنترنت، هي في صلب أهداف كثير من السياسيين الذين يحمون الطبقة الإدارية الفاسدة، ستبقى أزمة الإتصالات وأزمة وزارتها قائمة. وتشهد فضيحة شركتي تاتش وأوراكسل للاتصالات على ذلك.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024