الخميس 2015/02/12

آخر تحديث: 18:17 (بيروت)

الخصخصة اللبنانية... فخر النظام الميليشياوي- المالي

الخميس 2015/02/12
الخصخصة اللبنانية... فخر النظام الميليشياوي- المالي
نحاس" من آثار السلطة الحالية، وقف التوظيف في الإدارة العامة (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease

تصعب الإحاطة بموضوع الخصخصة في لبنان، وذلك يعود لتوفر النماذج والمعلومات والصفقات المرتبطة بالموضوع بشكل متشعب. وبعيداً عن أنواع الخصخصة والإجتهادات النظرية في الملف، يبقى النموذج اللبناني حالة فريدة تتخطى كل نماذج الإقتصاديات المعمول بها عالمياً.

اذ ان نهج الخصخصة التي تسير به قوى السلطة، ينطلق من التغيّرات البنيوية العميقة التي أصابت النظام، على المستويين الإقتصادي والسياسي، والتي برزت بعد إعلان إتفاق الطائف الذي أسس لشبه الدولة الحالية. هذه التغيرات بُنيت على قاعدة صلبة تهدف الى تأبيد الصورة الجديدة لنظام الحكم، الرامي الى تفتيت أي شكل من أشكال المؤسسة العامة لصالح القطاع الخاص، العائد بشكل مباشر أو غير مباشر لمهندسي النظام نفسه، الذي إرتدوا ربطات العنق بعد خلع الزي الميليشياوي، مع وقف القتال الذي إمتدّ منذ العام 1975 حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي.

تكمن خطورة المفهوم الجديد للخصخصة، بحسب وزير العمل السابق شربل نحاس، بأنه مؤسّس على مبدأ "شراء زعماء الميليشيات الشرعية والولاء، عبر إستيعاب أعضاء ميليشياتهم ضمن شبه الدولة"، وبالتالي يعمل الإستيعاب على خلق ولاء من الموظفين الجدد - أعضاء الميليشيات، يعطي مشروعية لنقل ما اكتسبه الزعماء من زواريب الميليشيات الى مناصب الدولة. ولدعم المسعى الجديد، يرى نحاس ان الزعماء قاموا "بتوسيع الإنفاق وزيادة الإعتماد على الإستيراد، لتعزيز الإستهلاك".

بكلمة أخرى، ان توسيع مروحة الإستهلاك، ودعم الإستثمارات التي تصب في خانة الإستهلاك، يعمل على بناء إقتصاد إستهلاكي، قوامه تعويم القطاعات الخدماتية والريعية على حساب القطاعات الإنتاجية التي تستوعب أكبر قدر من اليد العاملة، وتعيد توزيع الثروة على أوسع نطاق، بين شرائح المجتمع. وبالنظر الى عملية تعويم القطاعات الخدماتية والريعية، نجد ان السيطرة العامّة التي تفرضها المصارف على مفاصل الحياة الإقتصادية والسياسية للبلاد، تؤتي ثمارها بمحاربة أي حراك يهدف الى إعادة وضع عجلة الإقتصاد والسياسة على السكة الصحيحة، أو على الأقل، إعادة المكتسبات المنتزعة من السلطة التقليدية التي كانت قائمة قبل الحرب الأهلية.

والحديث عن إعادة المكتسبات القديمة، لا يعني التهليل لنظام الحكم السابق، لكنه يسلط الضوء على خطورة النهج المافيوي المتّبع من قِبل سلطة اليوم. فسلطة الأمس قبل الحرب، جلّ ما كانت تطمح إليه هو الكسب الخاص، وتوزيع الثروة بين رؤوس النظام في السلطة المركزية، والإقطاع التقليدي في المناطق. وفي المقابل، لم يكن النظام القديم متغلغلاً في أدق تفاصيل الحياة داخل المؤسسات العامة، وهذا ما أتاح للحركة النقابية خلق مجال حركة واسع، تضغط عبره على السلطة لتحصيل الحقوق، والتي تمظهرت بتحسين شروط العمل داخل المؤسسات، أو إنشاء مؤسسات عامة، ومؤسسات ذات منفعة عامة، أضيفت الى ما هو موروث من مؤسسات أنشأتها الإمتيازات الممنوحة من السلاطين والمفوضين الساميين.

وتسليط الضوء، يُظهر كيفية عمل السلطة الحالية على تفكيك مفاصل الإدارة العامة تمهيداً لخصخصتها، بكافة الوسائل. حيث تم العمل على إنشاء لجان لنقل الإمتيازات القديمة الى كنف الدولة، على صورة مؤسسات عامة. غير أن هذه اللجان، ما لبثت ان تحولت الى كيانات، وأحياناً الى شركات خاصة بشكل صريح، أمسكت بالمرفق المعهود لها لتحويله الى مؤسسة عامة، وأصبح المرفق ملكاً خاصاً يعيّن رئيسه أو مجلس إدارته بقرار سياسي، على شاكلة ما يحصل في "شركة الميديل إيست، مرفأ بيروت، الريجي، أوجيرو، منشآت النفط... وغيرها من الإدارات". وقد تطرّق نحاس الى هذا الواقع في مداخلة، جاءت ضمن مؤتمر حول خصخصة التعليم، عقد اليوم في الجامعة الأمريكية في بيروت.

أيضاً، من آثار عمل السلطة الحالية، كما يوضح نحاس، "إتخاذ مجموعة قرارات إستمرت مفاعيلها لـ 18 سنة، وأبرزها وقف إستثمارات العمل وصيانة هذه الإستثمارات، وقف التوظيف في الإدارة العامة"، الأمر الذي خلق فجوة كبيرة بين عدد الوظائف الموجودة وبين الموظفين الحاليين، أي السماح بوجود شواغر كبيرة في الإدارة العامة، إذ "هناك حوالي 25 ألف مركز، ولدينا أقل من 7 آلاف موظف". كما ان وقف التوظيف، أستعيض عنه بـ "إختراع مبدأ المياومين والمتعهدين وما الى ذلك من أبواب تسمح بالتنفيعات وبضمان سكوت المياومين عن أي أمر، خوفاً من فقدان الوظيفة". ويضاف ذلك الى قرار تجميد الأجور، وعدم اللجوء الى تصحيحها سوى مرّتين، الأولى حصلت في نهاية العام 1995 لغاية العام 1998، وتوقف تصحيح الأجور لغاية العام 2011، وحينها صُحّح تحت الضغط النقابي، ولم يصحح حتى اليوم، علماً ان مؤشر الغلاء وصل الى 121%.

والمفارقة ان كل هذه السياسات أتت تحت شعار الإصلاح وإنقاذ الإقتصاد الوطني. علماً ان البلاد شهدت "في الفترة الممتدة من 2006 الى 2011 دفقاً مالياً هائلاً، نتيجة إرتفاع أسعار النفط، والأزمة المالية العالمية". وبالنتيجة، لم يحصل أي إصلاح، بل إنعكس الدفق سلباً على أسعار العقارات التي ارتفعت بنسبة تراوحت بين 250 و350%. في حين كان بالإمكان "وضع مشاريع قوانين للضريبة على الأراضي وعلى أرباح المصارف، توفر إيرادات بحوالي 7000 مليار ليرة، تضاف الى الفائض الأولي الذي حققته المالية العامة في العام 2010، والبالغ 4000 مليار ليرة". على ان هذه الأموال يمكن استخدامها بـ "رفع مستوى الأجور، على المستوى النقدي والإجتماعي، وبإعادة الإنتظام الى الإدارة العامة". وهذا ما لم يحصل، بل أمعنت الطبقة السياسية بالدفع نحو ضرب القطاع العام وضرب الإقتصاد عموماً، ضمن خطة الخصخصة.
وعلى العموم، فإن المصارف التي تحكم البلاد، لم تكن لتقبل أي ضرائب على أرباحها. وهذا ما برز بوضوح عبر موقف المصارف من مصادر تمويل سلسلة الرتب والرواتب، حينها لوحت المصارف بخراب الإقتصاد وانهيار الليرة لو تم المس بأرباحها.

موقف المصارف، ومن خلفها أرباب السلطة، شكّل برأي عضو هيئة التنسيق النقابية حنا غريب، "تحالفاً بين الميليشيات ورأس المال، والذي أعاد تركيب القوى البرجوازية التي تمسك البلد". وفي السياق، حذّر غريب في مداخلته في المؤتمر عينه، من "تفكيك القطاع العام عبر تفكيك مفهوم وحدة السلسلة"، ومن خطورة تمرير "مقررات باريس 3 تحت غطاء السلسلة، خاصة وان البنك الدولي بدأ يحث السلطة على اقرار السلسلة".

وعلى الرغم من ذلك، لم يقفل الباب أمام إستمرار رفض نهج خصخصة البلاد. لأن تجربة هيئة التنسيق النقابية التي برزت بعد تدجين السلطة للإتحاد العمالي - مدعومة بقرار عبد الحليم خدّام حينها - أعادت إحياء العمل النقابي، وأعادت تهديد مخطط الخصخصة الشاملة، عبر تكوين قواعد شعبية واعية لما يحصل، حتى في ظل إستمرار بسط أحزاب السلطة لسيطرتها داخل مكونات هيئة التنسيق، والتي ظهرت في نتائج انتخابات رابطة أساتذة التعليم الثانوي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها