الأحد 2016/09/11

آخر تحديث: 01:36 (بيروت)

دجاج منفوخ ولحم مغشوش.. للبيع

الأحد 2016/09/11
دجاج منفوخ ولحم مغشوش.. للبيع
لا برادات إلا في النادر (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
من ساحة الدفتردار داخل أسواق طرابلس القديمة (سوق العطارين) شمالاً تجاه طلعة الرفاعية، ثم ما يعرف بسوق السمك، يضع الزائر يده على أكثر من مشهد صادم مرتبط مباشرة بصحته.


الصورة لا تحتاج إلى كثير من الشرح: تدخل السوق يستقبلك بائع الحشائش منادياً: "بقدونس خس وفجل". وفي ساعات أخرى يضيف إلى بضاعته باقات من النعنع، يبسّط بضاعته على شرائح بلاستيكية، تحتها مباشرة مجرى مياه المجارير لـ"زقاق العوينات"، وبجانبه بائع الدجاج الذي يزيد من رش المياه على الدجاج المقطّع والمبسّط أمام محله، فيغتسل الفروج بالدم وبما يتجمع عليه من ملوثات الهواء.

تتجاوز محل الدجاج الذي لا يمكن دخوله بسبب الرائحة الكريهة المنبعثة من الداخل، لتقع العين على "صدر كنافة" بجانبه "نمورة" وبصمة"، وغيرها من الحلويات العربية. لكن على خلاف منظر الدجاج هي مغطاة بالنيلون الشفاف، يرفعه البائع متى طلبت شراء أي قطعة، ويمنحك طلبك. تتقدم في مسيرتك فتصل إلى بائعي اللحوم: لحم معلق في الهواء الطلق، وآخر داخل البرادات. وما يحتويه البراد قصة أخرى تحتاج إلى رواية منفصلة، حاله حال بعض الدجاج المبرد.

فقد علمت "المدن" بأن أغلبية اللحم التي تُباع في سوق العطارين هي من نوع اللحم المثلج من الهند والبرازيل، وما يعلّق أمام المحال مصدره مسلخ طرابلس، ويباع المثلج بعد تبريده عبر المراوح على أنه طازج وبسعر الطازج. طبعاً، بالاضافة إلى قيام البعض بخلط الصالح من الطازج مع الفاسد من المثلج، وبيعه على أنه طازج.

حماية
دهمت دورية من شرطة بلدية طرابلس في الأيام الماضية بعض المحال في سوق العطارين، وخصوصاً الحديث منها، فتبين وجود كميات كبيرة من المثلج الفاسد في البرادات. وعندما قرر طبيب المسلخ تسطير مخالفة تدخل أحد النافذين في السوق التابع لأحد السياسيين وصاحب العلاقة الطيبة مع بعض الجهات الأمنية، ومنع بقوة السلاح شرطة البلدية وطبيب المسلخ من إغلاق المحل أو اجراء أي مخالفة بحقه، جل ما حدث أنه تم تلف اللحم المثلج الفاسد في إحدى الملاحم، وانتهت القضية عند هذا الحد.

أبو خالد صاحب محل صغير لبيع الخضار على مدخل السوق يعبّر عن امتعاضه من هذا التصرف: "يقولون إن الدولة لا تقوم بدورها وعندما تأتي البلدية للكشف يعرفون مباشرة بمجيئها فيهرِّبون بضاعتهم الفاسدة. وما جرى مع صاحب الملحمة هو أنه هرّب قسماً كبيراً من اللحم، لكنه يبدو غفل عن كمية لا بأس بها في براد داخل المحل. وعدم إغلاق محله وختمه بالشمع الأحمر يشجع البقية على أن يسيروا على نهجه".

بلدية طرابلس، عبر رئيس لجنتها الصحية الدكتور عبدالحميد كريمة، قالت لـ"المدن" إن كثراً من البائعين وقّعوا على إنذارات تحذرهم من تكرار ما حدث، وإن المراقبين الصحيين سيبدأون حملة مراقبة، فمن يتبين أنه لا يلتزم سيوجه إليه إنذار، وفي حال لم يتجاوب يتبع الإنذار محضر ضبط. وعلى طريقة آخر الدواء الكي يغلق المحل بالشمع الأحمر، في حال لم يلتزم صاحبه بالشروط الصحية".

ليس هذا كل شيء يرتبط ببائعي اللحم، فلقد سمحت الحرب في سوريا وما رافقها من فوضى على الحدود لصاحب الملحمة نفسها (والذي بات صاحب أكثر من خمسة فروع في طرابلس) أن يهرب اللحم من داخل سوريا عبر أكياس نيلون سوداء. وقد صادرت القوى الأمنية ممثلة بالجمارك أكثر من مرة سيارات أجرة تنقل له اللحم الذي يقول البعض من أصحاب "الكار" إن "مصدره حماة وفي أغلبه مسروق ويباع بسعر ضئيل بشكل يضرب السوق اللبنانية".

منافسة
داخل السوق امتعاض كبير من "اللحامة السوريين" كما يصفونهم، ليس حسدا ولا حقدا كما يقول طارق، وانما لانهم "يكسرون الأسعار ويضربون السوق اللبنانية بالمواشي التي ياتون بها من سوريا وتباع من دون ان تمر على مسلخ البلدية ".

لكن ليس البائع السوري وحده من "يغامر" بحياة الناس ويبيعها ما طاب له من لحم فاسد، فاللبناني ليس أفضل منه، بائعو الدجاج اللبنانيون كما علمت "المدن"، في أغلبهم يبيعون الدجاج على البسطات كأنهم يعرضون تحفاً فنية لتزيين المنازل بها. لا برادات إلا في النادر. والطازج يباع في أول النهار. وما تبقى كله دجاج مثلج من مصادر عدة، أبرزها وفقاً لأحد التجار في السوق كما أخبر "المدن"، هما شركتا "هوا..." و"بامـ..."، فهاتان الشركتان "تبيعان التعاونيات الكبرى الدجاج الطازج، وبعد أربعة أيام تسترد غير المباع فتقوم بتفريزه في منشآتها وتبيعه لتجار السوق من دون فواتير". والبائع يهدف إلى الربح فيتفنن بذلك، منهم من ينفخ "الفخد" و"السفينة" بالمياه ليزداد الوزن، فيبيع كل ثلاثة كيلو منها بعشرة آلاف ليرة لبنانية، بينما يبيع صباحاً كيلو "الفخاد" الواحد بأربعة آلاف ليرة لبنانية أو خمسة حسب سعر الدجاج في السوق.

هذا، بالإضافة إلى أن ذبح الدجاج الطازج يتم داخل المحال وتحول المياه الممتزجة بالدم إلى مجرى مياه الشتاء أو الصرف الصحي، فتنبعث الروائح النتنة في كل السوق.

ماذا عن المسلخ؟
أما مسلخ اتحاد بلديات الفيحاء الجديد، فتختلف حوله الروايات. أحد القريبين من إدارة المسلخ أبلغ "المدن" أن المسلخ في حالة جيدة على كل المستويات، ويصار إلى تنظيفه يومياً بمساحيق التنظيف ذات الفعالية، وأن نقطة الذبح غيرها نقطة التقطيع والسلخ. فيما قال أحد تجار المواشي عكس ذلك: "المسلخ عبارة عن ساحة عائمة بالمياه الآسنة. الرائحة الكريهة في كل الآرجاء نتيجة ترك الجلود لأيام فوق أرض المسلخ. واللحم ينقل من المسلخ إلى المحال عبر بيك آبات من دون برادات".

في السوق نفسه وخصوصاً زقاق البلاط منه قامت الهيئة العلياء للاغاثة بأعمال الترميم، لكن، كأن شيئاً لم يجر، وكأن الفوضى والإهمال والمبالاة صارت ثقافة حاضرة بقوة عند مرتادي السوق وسكانه، حتى صور السياسيين التي تعلق ليلاً وتزال نهاراً، لم تفلح باعطاء صورة إيجابية عن هذه المشهدية، باستثناء مقطع صغير وأساسي عند كل الناس: هنا البضاعة أرخص وتناسب وضعنا الإقتصادي...ولو على حساب الصحة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها