الإثنين 2017/10/09

آخر تحديث: 18:49 (بيروت)

حين يختار الله "العنصري بلبنانيته"

الإثنين 2017/10/09
حين يختار الله "العنصري بلبنانيته"
ستمرّ تغريدة باسيل بلا مساءلة.. والخوف أن تصبح الصحافة صورة "سيلفي" لمعاليه (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
غالباً ما يكون وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، خارجاً عن المألوف، سواء تطرفاً أو تغريداً خارج السرب. فالرجل، ومن خلال آرائه ومواقفه الإشكالية، يكشف في كل مرةّ عن وجه جديد من شخصيته التي يمكن وصفها بالإنشطارية العامودية، بعدما عكس في أكثر من موقف وحدث عدم قابليته التعامل بشكل متواز مع شركائه في الوطن والتماشي مع الظروف والمستجدات وبالتعاطي مع المتغيرات حسب متطلباتها التي تستوجب السلاسة والمرونة، ما يجعله يجنح في معظم الاحيان نحو افتعال الإشكالات وإثارة الجدل  بهدف سرقة الأضواء، من خلال تصريحاته الجامحة التي تجعل منه حديث الناس والبلد، بصرف النظر عن إيجابية أو سلبية موقفه وطبيعة ردود الافعال عليه، طالما انه النجم الذي يبقى اسمه متداولاً وشخصه ماثلاً في دائرة الضوء.


التصعيد الجديد وبشكله الصادم الذي حمله خطاب باسيل الاخير، والذي قدّم نفسه فيه كرجلٍ اختاره الله للحفاظ على لبنان، وتفاخر فيه "بعنصريته كلبناني"، يُشبه الخطاب الذي سبق الحرب العالمية الثانية وساد بعض أنحاء أوروبا إبّان صعود الفاشية في إيطاليا وما اعتُبر تمايزاً للعِرق الآري في ألمانيا. كما يعيدنا بالذاكرة إلى ما سبق حملة جورج بوش الابن على أفغانستان والعراق، من خلال زعمه بأنه صاحب رسالة مقدسة ومكلّف من الله بالحفاظ على أميركا وقيم العالم الحر، ما يجعل خطاب باسيل الأخير يتخطّى الشعبوية المعتادة، ويفتح النقاش على الكثير من المعاني والمنطلقات التي لها ما يتبعها وما يستوجبها من إفرازات ذات طبيعة إشكالية ودوافع وأبعاد سياسية وانتخابية لها علاقة بالشارع المسيحي- الماروني على وجه الخصوص، استنفازاً له وتحفيزاً لخوض أم المعارك الكبرى في وجه ما يظهر من تكتلات تنبىء بتغيير خارطة التوازنات السياسية في المجلس النيابي والحكم.

لكن اللافت في هذا السياق تكريس باسيل، إن كان في ممارسته السياسية أو أسلوبه الخطابي، إملاءات ذاتية، يعتبر أنها تمنحه الحق في المجاهرة والمفاخرة بالعنصرية والفوقية ضمن خطاب شوفيني استعلائي، مرفقة بضمانة ألا تكون هناك محاسبة أو مساءلة لكلّ ما يفعله أو يقوله، في الوقت الذي يبيح لنفسه أن يكيل الاتهامات وينهال بالشكاوى والدعاوى ضد الصحافيين والناشطين المنتقدين لسياسته أو مواقفه المنفلتة من عقالها، والتي لا يريد لها منتقداً أو رقيباً أو وازعاً أو رادعاً، وكان آخرها الدعوى التي رفعها الوزير "الإصلاحي" ضد الناشط فراس بو حاطوم، أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، على خلفية منشور فايسبوكي، لم يُعجب "معاليه"وهو الذي غرّد قبل ساعات من مثول بو حاطوم أمام التحقيق، قائلاً "عنصريين بلبنانيتنا، مشرقيين بتكويننا، وعالميين بانتشارنا...".

الأرجح أن تمر تغريدة باسيل بلا عواقب أو مساءلة في لبنان. فذراع المحاسبة القصيرة لا تصل إلى أمثال باسيل، المحمي. لكنّ أبشع ما في هذه الصورة، هو ما يظهر جلياً من محاولة إما لتطويع أو كسر الإعلاميين أو الناشطين ذوي الآراء المعارضة، والذين طالما اشتهر باسيل وتياره بملاحقتهم ومقاضاتهم ومحاولة ازدراء آرائهم.

الاستدعاءات للصحافيين والإعلاميين التي تُسطّر بناء على دعاوى من الوزير باسيل أضحت في ازدياد مضطرد، ومرشحة للتصاعد يوماً بعد يوم، طالما أنه بالذهنية التي تستشعر "الخطر" في ما يكتبه الصحافيون ويعلنه الناشطون المنتقدون، خصوصاً إذا ما اعتبرنا أن باسيل هو على رأس التيار الذي اختار الإصلاح والتغيير شعاراً له، والذي لطالما كان يُدافع عن الحريات ويطالب بها حين كان في صفوف المعارضة، فإذا برأس هذا التيار يتحول اليوم إلى رمز من رموز إقصاء المعارضين، وإلى مُطارد لأصحاب الرأي المختلف، إن كان إبان تشكيل الوزارات أو عشية تعيينه (لا انتخابه) رئيساً للتيار، وطرده لعشرات المعارضين الذين أمضوا سنوات في كنف اللون البرتقالي، ومواقف أخرى كثيرة ومعروفة.

وبافتتاح الموسم الانتخابي العتيد، ها هو باسيل يُزايد وبقوّة على مواقف خصومه وحلفائه على حد سواء، المعلَنين وغير المعلنين. وفي معركته أمام خصومه الأقوياء، وعجزه عن مواجهتهم بالكفاءة والنتيجة المتوقعة، يبقى الخوف بأن يتفاقم غضب "معاليه" وهو الحالم بلقب "فخامتك"، على الناشطين والصحافيين الذي قد يعتبرهم مكسر عصا، ظهور بعضهم غير مسنودة بأحزاب أو طوائف، ما يجعل البطش بهم أو تخويفهم سوطاً سليطاً يطوّع به الآراء وفق رؤيته.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها