الثلاثاء 2016/06/28

آخر تحديث: 19:11 (بيروت)

دونالد ترامب لبنان

الثلاثاء 2016/06/28
دونالد ترامب لبنان
increase حجم الخط decrease
الحدث الأمني الأخير الذي شهده لبنان، إثر تعرّض منطقة القاع الحدودية لسلسلة تفجيرات نفذها انتحاريون، وجد فيه البعض ما يخاطب نزعته بالانكفاء على الذات وإطلاق دعوات علنية في مواقع التواصل تنادي بطرد جميع السوريين من لبنان، في تماهٍ مباشر مع التصريحات الأخيرة لجبران باسيل، وزير الخارجية اللبنانية ورئيس التيار الوطني الحر، صاحب "المبدأ الصلب" و"الخط الوطني والانساني" الذي دائماً ما يقوده نحو الاصطفاف إلى جانب النظام السوري وحلفائه مقابل استعداء الشعب.


وفي حين بدأت الأصوات تتعالى في الأوساط المسيحية ضد النازحين السوريين عبر الدعوة في "فايسبوك" و"تويتر" لطردهم وإقفال جميع مخيماتهم، أجمع هؤلاء على أن "جبران باسيل على حق" وأن "التحرك صار ضرورياً أكثر من أي وقت مضى" و"علينا طرد كل سوري يحاول فتح المحال التجارية في مناطقنا وأخذ لقمة عيشنا" و"نحن من ندفع الثمن وأهلنا وناسنا واحبائنا". فيما كتبت امرأة في "فايسبوك": "استيقظ أبها اللبناني. قم فوطنك وبيتك في خطر. علينا وضعهم في مكانهم الطبيعي فهم ليسوا أكثر من لاجئين ونحن أصحاب الأرض والعرض والدار".

على أنّ "المكان الطبيعي"، الذي تنادي تلك السيدة لإرسال السوريين إليه، ليس سوى المجهول، تماماً كالذي يتطلع الوزير البرتقالي إلى زجّ اللاجئين فيه. ففي الموقف الذي أطلقه باسيل مؤخراً في المؤتمر التأسيسي لمجلس العمل البلدي في "التيار الوطني الحر"، لم يسعَ الرجل كعادته إلى تنميق كلماته وعباراته أو حتى جعلها تحمل أكثر من معنى، بل قالها مباشرة رغم وطأة معانيها وخطورة تداعياتها: "ممنوع وجود مخيمات للسوريين أو أن يفتح نازح سوري أي محل تجاري في بلديات خاضعة للتيار الوطني الحر"، ليعود ويستكمل حملته التحريضية تلك، خلال زيارته منطقة القاع حيث دعا إلى "عدم السكوت عن موضوع النزوح السوري الذي يُستعمل غطاءً للإرهاب"، معيداً التذكير بأنّ "البلديات لديها شرطة محلية وسلطة في نطاقها المحلي وتستطيع محاربة الإرهاب، ولا أحد يستطيع منع الشعب من الدفاع عن نفسه".

مواقف باسيل وتصريحاته لا تحمل جديداً ولا تحيد عن سلسلة من الدعوات التي أطلقها سابقاً في أكثر من موقف وحدث، فيما تأتي استعادتها اليوم مع ما أظهرته من تفاقم لحدتها، لتحيي موجة الغضب تجاه من وصفه البعض بـ"دونالد ترامب لبنان" وصاحب المواقف "المخجلة" و"العنصرية"، والتي يبدو أنها تحولت بيد الرجل البرتقالي لوسيلة فعّالة لشدّ عصب المسيحيين، والنكث في عمق مخاوفهم وهواجسهم الوجودية.

كما ثبت مع مرور الوقت أنها لم تخرج من مجرد لحظة فكرية وسياسية عبثية غير مدروسة، بل غالباً ما ارتبط توقيت إطلاقها بأبعد من التأثير والتفاعل اللحظوي او الآني، وهي اليوم تتخذ بُعداً آخر، بعدما خرجت في خضّم الجدل والسجال حول ماهية وجدوى قتال حزب الله في سوريا، فيما قد تكون التصريحات الباسيلية مدفوعة ممن يسعى، وبشتى الطرق ولو على حساب حياة النازحين السوريين وأمنهم، لإقناع اللبنانيين أنّ ضخّ مزيد من المقاتلين في سوريا، ليس إلا لتفادي نموذج تفجيرات القاع، الذي سيستدل به أيضاً للقول "في حال توقف حزب الله عن القتال في سوريا، فانظروا أيها اللبنانيين ماذا ينتظركم".

ناشطو مواقع التواصل ذهبوا في تساؤلاتهم وتحليلاتهم، أبعد من ذلك، فكتب أحدهم: "تأليب الشارع المسيحي ضد النازحين وجعلهم يعيدون النظر بمسألة مشاركة حزب الله في سوريا. هل هذا ما يريده جبران باسيل؟". و"لماذا أتت التفجيرات بعد التصريحات العدائية الأخيرة للوزير البرتقالي ضد النازحين السوريين؟ لماذا أتت بعد الخسائر الفادحة لحزب الله في سوريا؟ وهل هناك مخطط لتحريض اللبنانيين في مناطق معينة على السوريين؟"، يتساءل مغرّد آخر، فيما ربط آخرون بين حدث التفجير والتصريحات المذكورة التي سبقته، بقولهم "كأن القاع تُضرب رداً على كلام جبران باسيل".

على أن المواقف المتطرفة ضد اللاجئين السوريين لم تقتصر على جبران باسيل، بل استتبعها موقف للنائب نبيل نقولا، طالب فيه الحكومة اللبنانية بتفكيك مخيمات اللاجئين وإعادتهم إلى سوريا بالتعاون مع النظام السوري، في ما يشبه الحكم عليهم بالإعدام. ففي الوقت الذي يفر فيه آلاف السوريين يومياً من بطش النظام وبرامليه المتفجرة يدعو نقولا إلى إرجاع السوريين الموجودين في لبنان إلى فخ النظام وتعريضهم للإبادة الشاملة، مستكملاً مخطط رئيسه الرامي إلى قطع أرزاق السوريين بنيته بقطع أعناقهم.

وفي دعوة أشبه ما تكون إلى القتل العشوائي، دعا رئيس بلدية القاع، بشير مطر، أهالي البلدة إلى حمل السلاح وإطلاق النار على أي شخص غريب أو مشتبه به يظهر أمامهم، وذلك ما اعتبره البعض دعوة لإحياء زمن الميليشيات والخروج عن كنف الدولة، خصوصاً بعد انتشار صور النائب أنطوان زهرا وهو يتجول في البلدة مع مسلحين  بلباس مدني، والذي أطلق عليهم لاحقاً اسم "حراس القاع". ومن جانبه لم يقصّر محافظ البقاع بالتضييف على اللاجئين السوريين، إذ أصدر قراراً يمنع بموجبه كل من يحمل الجنسية السورية من التجول في بلدتي القاع ورأس بعلبك، ما يدفع للسؤال عن مدى عمق الأزمة والحال الذي ستؤول إليه الأمور إذا ما تكرّس النموذج التصاعدي لباسيل وتكرار سيناريو التفجيرات، مع ما يستتبعه ذلك من محاذير امتداد حمل السلاح واستمرار هذه الحالة وتعميمها، وما سيكون مصيرها في ظل تعالي الأصوات للتضييق على اللاجئين، والتي قد تترجم إلى استفزازات عدوانية لا تحمد عقباها.

فشل الحكومة الحالية وتلك التي سبقتها بالتعامل مع أزمة اللجوء السوري ليست محصورة في هذا الملف. فالشلل السياسي الذي يعمّ البلد على مختلف الصعد، إن كان بما يتعلق بالملف الرئاسي أو التعيينات الأمنية والإدارية أو تدهور الوضع الاقتصادي يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى التيار البرتقالي المعطّل وحليفه حزب الله، اللذان أنكرا وجود أزمة اللاجئين منذ بدايتها حرصاً على عدم استفزاز مشاعر حليفهم بشار الأسد. كما أن التدخل العسكري لحزب الله في الداخل السوري ومعادلة النائب ميشال عون الرئاسية "أنا أو لا أحد"، والتي تعتبر الحائل الأساس لعدم انتخاب رئيس جمهورية فاقمت من أزمة اللاجئين وأعدادهم، مانعة من استنباط الحلول الناجعة لها، عدا عن أنها ساهمت بتردي أوضاعهم ومنعت المساعدات الخارجية من الوصول إلى الحكومة اللبنانية كونها كانت مكبلة ومحكومة بانقسام المواقف تجاه أزمة اللجوء في السنوات الثلاث الأولى للثورة السورية. وفي ظل عدم وجود رئيس تلتف حوله كل الأطراف، فإن كل ذلك يجعل من باسيل وحلفائه الذين يرفعون الصوت ضد اللاجئين السوريين، ينطبق عليهم المَثَل الشائع "خربها وجلس على تلّها". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها