الخميس 2016/08/18

آخر تحديث: 15:54 (بيروت)

عمران.. طفل حلب الذي جعلناه مجرماً

الخميس 2016/08/18
عمران.. طفل حلب الذي جعلناه مجرماً
increase حجم الخط decrease
راح يمسح الدم عن يديه وينظر إليهما متلفتاً يمية ويسرة. دم. يمسحه بالكرسي الذي، لحسن حظه، لحُسن حظنا، صودف أنه برتقالي اللون، ليخبئ احمرار الدم.

هذه المرّة لم يكن يرقد بسلام على شاطئ، بالقميص الأحمر. هذه المرة، أتاه الأحمر، إلى بيته في حلب، ليلبس الطفل عمران التهمة، وهو بعد في الخامسة من عمره. هذه المرّة تخطينا هذا الخط الذي نعتقد كل يوم أنه لا قعر تحته، لنفاجأ كل مرة بعجزنا لا بل بدناءتنا. هذه المرّة، لم نقتل عائلته فحسب، بلّ قرّرنا أن نلبسه التهمة. لطّخنا يديه الناعمتين بدم عائلته وجعلناه مجرماً.

أراد أن يمسح الغبار عن عينيه. لم يدمع. الأرجح أنه لم يدمع. أو هكذا ظهر لنا، نحن الذين نجلس بانتظار فاجعة جديدة نولول بعدها. لم يدمع ولم يبكِ. انزعج. كل ما في الأمر أنه انزعج وأراد أن يحكّ عينه اليسرى، فألبسناه التهمة. دمك، دم والدتك، دم والدك، دم أخوتك، لا فرق. المهم أنك أنت وحده الملطّخ بالأحمر، وأمام الملايين أو مئات الملايين من المشاهدين. أنت المذنب الوحيد، وقد حاولت أيضاً أن تمسح هذا الدم خوفاً من العقاب. هذه المادة اللزجة التي لم تعرف ماذا تفعل بها، رأيناك تمسحها بهلع. بهلع المجرم، وبهلع إرهابي الغد.

عدت ونظرت إلى الفيديو. مراراً ومراراً. لم يبكِ، لم يصرخ، لم يصدر أي صوت. جلس محدّقًا في مشهد المسعفين والناس يصرخون. بتلقائية، قام بتلك الحركة التي يقوم بها كل الأطفال عندما يمسحون عينهم بكفّهم. أحسّ بتلك المادة اللزجة فأصابه هلع المجرمين، وراح يمسح يديه بالكرسي البرتقالي من دون أن يبكي، من دون أن يصرخ. لم يصدر أي صوت بل راح يمسح يديه بصمت المجرمين.

لا يحتاج دونالد ترامب إلى هذا الفيديو. عرفك منذ لحظة ولادتك، وقال أمام العلن جملته الشهيرة: "سأنظر إلى الأطفال السوريين في عيونهم وأقول لهم إرحلوا إلى بيوتكم". نعم بيوتهم دمرتها الطائرات ومن يقف خلفها، لكن هذا تفصيل. لكن يا ترامب عمران أصيب في عينه، وإن أردت أن تنظر إليه في العين، فلم يعد أمامك سوى عين واحدة، فانظر فيها جيداً وأخبره بأن يرحل إلى بيته المدمّر، وسيرحل. تأكّد أنه سيرحل. لن يبكي ولن يصرخ ولن يصدر أي صوت، سيرحل بصمت. أعلم أن أطفالكم يبكون، وأن أطفال غيركم يبكون، لكن أطفالنا لن يبكوا. سيقدّمون لكم ولنا مشهداً مسرحياً لا يضاهيه أحد. البارحة رقدوا بسلام على الشاطئ الذي قذف إليه بعيداً من بلدان لا ترحّب بهم، واليوم وبعين واحدة، سيرحلون عنكم بصمت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها