الإثنين 2015/01/26

آخر تحديث: 19:36 (بيروت)

ليست عروسة النيل..

الإثنين 2015/01/26
ليست عروسة النيل..
increase حجم الخط decrease

صورة1:

في صغري، لم أكن أميّز بين الصورة والواقع والزمن الدائر حولهما. كنت كلما أنظر إلى صورة فوتوغرافية، يُهيأ لي أنها تختصر الواقع والزمن وأنها الماضي القريب، وأحياناً كان يختلط عليّ الأمر أكثر، فأشعر بوطأة الصورة على حاضري.

إحدى الصور الفوتوغرافية التي طاردتني لفترة من الزمن، تعود إلى أخي. يظهر باكياً وهو يمشي على كورنيش الروشة. الأمر المريب في الصورة أنه لم يكن قد تعدّى السنتين من عمره، ومع ذلك تركه أهلي يمشي لوحده، وفي الخلفية سيارات يطغى عليها اللونان الأحمر والأزرق، أو هكذا تراءى لي، وخُيّل. كنت أصاب برعب شديد كلما وقع نظري على الصورة. لم أفهم كيف تُرك أخي يمشي لوحده ولماذا لم يرافقه أحد من أفراد العائلة؟ أين كان أبي وماذا كانت تفعل أمي؟ كنت أخاف أن يتكرّر الأمر معي، أي أن يأخذوني إلى الكورنيش ويتركوني بمفردي أواجه مصيري.

إلى أن كبرت وفهمت اللعبة الفيزيائية. هي لحظة زمنية تتجمّد بفعل تخزين الضوء.

صورة 2:

وقفتْ والدماء تغسل وجهها، ويداها تحيطان رجلاً يحضنها هو الآخر. وفي الخلفية أربعة رجال، وشرطي يمسك رشّاشاً. يرشّ الورد على الياسمين. وقفتْ والدماء تغسل وجهها وطرف ابتسامة تتسلّل شفتيها، وفي الكادر ما لا يقل عن خمسة متطفلين... منذ يومين وأنا أسترق النظر إلى صورتها ثم أعاود النظر إلى حياة تدور حولي... حتى هُيئ لي أن صورتها هي الواقع الحي، أما المشاهد حولي فما هي إلا لحظات من الجمود المتتابع.

أتسلل بدوري إلى عينيها. أفتش عن عينيها في كل الصور التي وجدها لي محرّك غوغل. أجمّع ملامح وجهها ونظرات عينيها السوداوين، وأعيد ترتيبها. أرجع إلى الصورة الأولى والأخيرة وأحاول إعادة تركيبهما. عبث. هكذا أراها. أخفت عنّا عينيها في لحظة حميمية وهي تشعر بدفء الدماء. الدماء تغسل وجهها والابتسامة تتسلل إلى شفتيها، وعيناها لا تفارقان فراغ قاتل خلّفه رحيلها.

شيماء الصباغ قتلت يوم 24 كانون الثاني 2015 برصاص حي. ثلاث طلقات خرطوش من مسافة 3 إلى 8 أمتار... وحلم يبعد أكثر بكثير. تهتّك في الرئتين والقلب، ونزيف غزير في الصدر، وجمود زمن استشرس فيه المجرمون رعباً من القصاص.

شيماء الصباغ أوقفت الزمن. غسلت وجهها بدمائها وغادرتنا مبتسمة.. مصطحبة معها حضن أرض أرادتها أوسع من سماها...

صورة 3:

بحسب الأسطورة، كان قدماء المصريين يلقون بفتاة جميلة أو "عروسة النيل" كل عام في النيل حتى تفيض مياهه بالخير، ويسمون هذه المناسبة "عيد وفاء النيل". صورياً، من الممكن أن ننسج قصة جميلة. استيقظت شيماء واصطحبت ابنها لقطف الورود البيضاء. صنعت منها سواراً كبيراً وحلياً، وتركت البعض لابنها. لبست السوار وألقت بنفسها في النيل علّه يفيض خيراً على الورد الذي تفتح في جناين مصر. فعلياً، شيماء الصباغ قتلت يوم 24 كانون الثاني 2015 قرب ميدان التحرير.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها