الخميس 2014/08/07

آخر تحديث: 18:11 (بيروت)

الطائفية.. ما زالت محرّمة في الدراما السورية

الخميس 2014/08/07
الطائفية.. ما زالت محرّمة في الدراما السورية
من مسلسل "حلاوة روح"
increase حجم الخط decrease

مسافة طويلة تجمع بين الإنتاج التلفزيوني والسينمائي الغربي، ومثيله السوري. 40 شهراً من عمر الثورة السورية، لم تساهم في إجراء أي تعديل على المضمون، ولا على الشكل. إنقضى رمضان، وتواصل الآلة الدرامية السورية، التي يسيطر النظام على جزء كبير منها، بالإنتاج غير المنسجم مع الواقع. لا في رمضان ولا في ما قبله، ولا في ما يحضر له، يمكن للسوري إلتماس أي تغيير.

أواخر العام 2004 قدم المخرج الكندي بول هاجيس فيلم "تصادم" (Crash) في الولايات المتحدة، معالجاً بشكل صادم قضية العنصرية المستفحلة فيها، وإن كانت كامنة. حاز الفيلم نجاحاً نقدياً توّجه بثلاث جوائز أوسكار، منها جائزة أفضل فيلم، عدا ترشيحه لثلاث أخرى ونيله جائزتين في مهرجان البافتا، إضافة إلى جوائز وترشيحات في مهرجانات متعددة. كما حصد الفيلم نجاحاً معقولاً في شباك التذاكر محققاً من الإيرادات أضعاف ميزانيته المتواضعة نسبياً.

نرى في الفيلم، الذي تدور أحداثه في لوس أنجليس، أميركيين بيض وسود وآخرين من أصول مكسيكية ولاتينية، ومهاجرين من إيران وشرق آسيا، بعضهم في قلب النظام الأميركي، وآخرون هم مجرد مواطنين على الهامش. جميعهم بلا استثناء، يظهر ضمن قالب شبه ثابت، يعاملون الآخرين، ويتعامل معهم الآخرون، وفق قولبة عنصرية وأفكار مسبقة قد تصل أحياناً إلى شيطنة الآخر واستباحته.

لم يكن "تصادم" قصيدة غزل سينمائية بالعنصرية ولا مدحاً لها حتماً. على العكس تماماً، جاء الفيلم ليهجو العنصرية ويفند خطابها، باحثاً عن المشتركات الإنسانية بين "المختلفين". بكل تأكيد لم يصنع هذا الفيلم وغيره المعجزات، لكنه على الأقل كان محاولة ناجحة لحث جمهوره على التفكير بطريقة مختلفة، وعلى مراجعة التصرفات المكرّسة واللغة اليومية، وعلى عدم الاستسلام للصور النمطية عن الآخر. من نافل القول إن "تصادم" هو منتج فني واحد ضمن قائمة طويلة من الأعمال التي قاربت العنصرية في الولايات المتحدة وحدها، وحصد بعضها نجاحاً كبيراً، لكنه يبقى واحداً من أكثرها عرضاً لمدى الكامن العنصري في التركيب النفسي والاجتماعي والثقافي، رغم الدستور والقوانين التي تدحضه، والخطاب السائد الذي ينبذه.

هذا عن الهُناك، فماذا عن الهُنا؟ بعد نحو أربعين شهراً على اندلاع الثورة السورية، ما زالت التابوهات على حالها تقريباً في الدراما التلفزيونية السورية، وفيما ينشغل صناع سينما أميركيون بمقاربة الجحيم العنصري في بلادهم، تبقى الطائفية مثلاً مسألة يُحجم الفنانون عن تناولها في بلادنا، أو تُقدّم مجتمعاتنا في بعض الحالات جنةً من الإخاء الطائفي. فرغم أن مصطلح الأقليات، على سبيل المثال، يتردد على ألسنة الكثير من السوريين يومياً فيما التأزم الطائفي بلغ أقصاه في البلاد ويكاد ينفجر في المشرق العربي منذراً بحرب شاملة، إلا أن كافة المسلسلات السورية التي عرضت في رمضان الماضي تجنبت الخوض في الموضوع، أو هي خاضته وفق الطرق المبتذلة ذاتها التي كانت رائجة قبل الثورة من مشاهد إخاء فارغ وبعيد عن الواقع.

في مسلسل "حلاوة روح" الذي أخرجه شوقي الماجري عن سيناريو لرافي وهبي، والذي كان يفترض به أن يكون الأكثر غوصاً في أحداث الأشهر الأربعين الفائتة، استعاد صناع المسلسل مقاربة الثنائية الإسلامية- المسيحية بالطرق المبتذلة ذاتها التي كرسها إعلام الأنظمة الرسمي، الطرق التي لطالما تزامنت مع منع أو تجريم أي مقاربة جادة للمسألة. تجدر الإشارة مثلاً إلى أن مقالة كتبها المعارض السوري ميشال كيلو العام 2006 بعنوان "نعوات سورية" قارب خلالها الانقسام الطائفي في محافظة اللاذقية، أفضت إلى اعتقاله بتهمة "إثارة النعرات المذهبية".

أحد الخيوط الرئيسية في المسلسل المذكور، تعرض لمجموعة من الجنود المنشقين عن جيش النظام السوري، والمنشقين لاحقاً عن الجيش الحر أيضاً، كان لا بد للمجموعة أن تضم بين أفرادها جندياً مسيحي الديانة، مع الإشارة إلى ذلك بوضوح في مشهدين على الأقل. ليواصل المسلسل المنتج العام 2014 ما درجت عليه مسلسلات سورية منتجة في التسعينيات أو في العقد الماضي وتناولت فترة الانتداب الفرنسي لسورية. من دون أي مراعاة لاختلاف السياق والوقائع بين حدثي ثورة السوريين على الفرنسيين وثورتهم على نظامهم.

في المسلسل نفسه يتم إسعاف جرحى البلدات الحدودية السورية إلى بلدة مسيحية داخل لبنان، كنيستها استحالت مشفى ميدانياً، كما تُظهر مشاهد بدت فانتازية لا من واقع أجواء البلدات اللبنانية التي تضع لافتات حظر تجول مسائي للسوريين في شوارعها. هذا مع العلم أن المسلسل أنتج بعيداً من سطوة النظام السوري وبمعزل عن جهازه الرقابي والأمني.

مرة أخرى، ليس المطلوب أعمالاً تلفزيونية تسعى غلى تكريس الطائفية، بل مسلسلات تفكك الخطاب الطائفي وتعريه، لكن ذلك لا يتم إلا عبر المقاربات الجادة للموضوع، لا من طريق مَشاهد قرع أجراس الكنائس المصحوبة بأصوات الآذان.

increase حجم الخط decrease