الثلاثاء 2014/11/04

آخر تحديث: 15:12 (بيروت)

يوميات قذيفة هاون: إعلام البرجوازية الدمشقية

الثلاثاء 2014/11/04
increase حجم الخط decrease

تحولت الصفحات والمجموعات الإخبارية في موقع "فايسبوك"، منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد منتصف آذار/ مارس من العام 2011، إلى أحد المصادر الرئيسة للخبر السوري، وخاصة مع انعدام مصداقية الإعلام الرسمي من جهة، ومنع السلطات لمراسلي الإعلام العربي والغربي تغطية الحدث ميدانياً من جهة أخرى.

 

هكذا، تكاثرت الصفحات الإخبارية وتضاعف عددها، وانشطرت بالتوازي مع الانشطار الذي أصاب المجتمع السوري إلى صفحات مؤيدة للثورة السورية معارضة للنظام، وأخرى معارضة للثورة مؤيدة للنظام. مع مرور الوقت فقدت الكثير من هذه الصفحات مصداقيتها نتيجة طغيان الجانب الأيديولوجي على أخبارها وجنوح عدد منها إلى نشر أخبار مضللة أو الامتناع عن نشر أخبار غير مواتية وإن كانت على أهمية كبيرة.

 

في نيسان/ أبريل الماضي، انطلقت صفحة "يوميات قذيفة هاون" على موقع فايسبوك بعد أشهر قليلة على تزايد سقوط قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا على أحياء العاصمة السورية. الصفحة كما يعرفها القائمون عليها "متخصصة بأخبار سقوط قذائف الهاون اليومية على العاصمة دمشق دون الانحياز لأي طرف كان. مهمتنا نشر أخبار الهاون ليس إلا، ونعمل على توثيق عدد القذائف التي تسقط يومياً وشهرياً على العاصمة"، يضيف أنس، وهو أحد أربعة مشرفين على الصفحة، هدفاً إضافياً لإنشائها. يقول لـ"المدن": "طمأنة المغتربين على أهاليهم القاطنين في العاصمة".

 

لم تقتصر "يوميات قذيفة هاون" كما يفترض من عنوانها وتعريفها على نشر أخبار متعلقة بسقوط قذائف في دمشق بل تعدت ذلك إلى نشر تقرير خبري يومي يتعلق أساساً بتفاصيل الحياة في العاصمة السورية، إضافة إلى أخبار خدمية واقتصادية وأخرى ذات طابع إنساني بحت، كإعلان للمساهمة في البحث عن طفل مفقود أو منشور يدعو للتبرع بالدم لمريض بحالة صحية طارئة أو الإعلان عن العثور على أوراق ثبوتية ضائعة.

 

تفوقت الصفحة على صفحات إخبارية معارضة وموالية كثيرة عبر المصداقية والدقة والابتعاد عن المبالغة والتضخيم والتهويل. تميزت "يوميات قذيفة هاون" أحياناً بأنسنة خبرها، متجنبةً على سبيل المثال نشر صور جثث الضحايا ومستعيضة عن ذلك بنشر صور لهم من حياتهم العادية. فاستعادت جانباً إنسانياً فقده الخبر السوري عبر التركيز المبالغ فيه على مشاهد الدماء. جذبت الصفحة بذلك نحو 372 ألف متابع، لغاية كتابة هذه السطور لتصبح واحدة من أكثر الصفحات السورية الفايسبوكية جذباً للمتابعين.

 

لكن هل الصفحة لا تنحاز لأي طرف فعلاً؟ ألا يعتبر "الحياد" من قبل سوريين تجاه بلدهم في ظرفه الاستثنائي انحيازاً لموقف سياسي يعبر أساساً عن الفئة الصامتة في سوريا؟ وهل الامتناع عن نشر أخبار الاعتقالات التي تحدث في دمشق مثلاً هو من باب "الحياد" فيما تواصل الصفحة نشر أخبار أحداث أخرى تحصل في العاصمة؟

 

تنشر "يوميات قذيفة هاون" إلى جانب الأخبار الخدمية والاقتصادية مقاطع فيديو لمشاهد من الحياة اليومية العادية في العاصمة، لكن حتى مقاطع الفيديو هذه تتجنب نشر مشاهد الاختناقات المروية التي تسببها حواجز النظام الأمنية العسكرية المنتشرة في شوارع دمشق والتي قطعت أحياءها، أو مظاهر النفوذ المتزايد للقوى الأجنبية العراقية واللبنانية المقاتلة إلى جانب النظام.

 

تَجنّبُ الإشارة إلى ما تسببه حواجز النظام من تعقيد للحياة اليومية لقاطني العاصمة، يتزامن مع اتخاذ موقف طبقي مثلاً تجاه "أصحاب البسطات" الموصوفين بأنهم ذوو "أخلاق سيئة" في منشور يحتفل باتخاذ قرار بمنع البسطات من على أرصفة أحد أحياء العاصمة. لا تسأل الصفحة عن مصير هؤلاء وعائلاتهم بحرمانهم مصدر رزقهم، ما تهتم به الصفحة وجمهورها هو التخلص من ازدحام قد يسببه الباعة على رصيف حي ما. أما الحواجز العسكرية على الطرقات وما تسببه من أرتال طويلة من السيارات فلا ذكر لها، وكأنها إشارات مرور لا بد منها لتنظيم السير.

 

تبدو الأخبار التي تنشرها الصفحة وكأن دمشق هي خارج السياق السوري الراهن: "حريق في إحدى المحلات التجارية داخل سوق الحميدية وسيارات الإطفاء تعمل على إخماده دون معرفة سببه حتى الآن" أو "48 ساعة بدون قذائف على العاصمة والشام بلا هاون أحلى". لا يهم إن كانت مناطق جوار دمشق تشهد هطولاً كثيفاً ويومياً للصواريخ والبراميل.. وقذائف الهاون. لا منشورات مثلاً للحديث عن النازحين من مناطق أخرى إلى دمشق، لا عن معاناتهم ولا عن احتياجاتهم.

 

تستحيل سوريا الأخرى مكاناً قصياً مجهولاً وغرائبياً. تنشر الصفحة على سبيل المثال صوراً لسيول جارفة في مدينة جبلة، لكن لا يتم تحديد بقعتها الجغرافية بدقة بل يتم الاكتفاء بتذييلها بتعليق مقتضب: "الصور لإحدى المدن الساحلية مساءا"، حتى دون ذكر مصدر الصور الأصلي.

 

قد يختصر هذا المنشور على جدران الصفحة الكثير: "هزة شعر بها سكان حي التجارة وسكان شرق العاصمة دمشق منذ قليل وهي عبارة عن تفجير نفق أو مبنى في حي جوبر، ولا أحداث أمنية داخل العاصمة ولا سقوط للهاون" في جوار دمشق تفجير، وفي داخل دمشق شعور بهزة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها