الجمعة 2014/08/22

آخر تحديث: 17:27 (بيروت)

شبكة "حدود": السخرية بالخبر الكاذب

الجمعة 2014/08/22
شبكة "حدود": السخرية بالخبر الكاذب
increase حجم الخط decrease

عشرات المواقع الإلكترونية، لا تقارب الجانب الخبري بشيء. لا تهمها في التطورات المحلية، إلا جانبها "الجنسيّ".. ولا في التطورات الإقليمية، إلا الجانب المثير. لكن تلك المواقع، تقدم نفسها على أنها جدية. غير أن شبكة "حدود" الأردنية، تقدم نفسها على أنها بديل ساخر عن كل الصحافة، في حين تكثر أنماط صحافة التهكم في الغرب، حتى أثار ما يقدمه أزمات في السابق.

من يصدّق بأن طالباً جامعياً "مارس الجنس مع فتاة عن بُعد"؟ خبر مثير وغريب، لكنه يستطيع أن يشد عدداً كبيراً من القراء. كذلك "ضبط نادي ديسكو متحرك" و"قتل على خلفية النية بسرقة ولاعة". مضمون ساخر ليس خبرياً، كون "الأخبار في نهاية المطاف، نميمة منظمة"، كما يرى الموقع. ويقول إنه "موقع مخصص للسخرية والكوميديا التي يصيبها السواد أحياناً".

ففي مقاربة الأوضاع في قطاع غزة بشكل خاص والشأن الفلسطيني والإسرائيلي-العربي بشكل عام، تفضح "أخبار" و"تحليلات" متواترة على موقع الشبكة العجز العربي الرسمي والشعبي وانعدام حيلتهما أمام تفوق إسرائيلي فاضح ومأساة إنسانية مستمرة منذ عقود، فنقرأ عناوين تهكمية من شاكلة "إسرائيل بين مطرقة الجامعة العربية وسندان البرلمان الأردني" و"السعودية تتبرع بـ٥٠ كتاب أدعية لدعم المتضررين في غزة" و"السفير الإسرائيلي في الأردن يغادر البلاد في عطلته السنوية"، وغيرها.

إذا كان الواقع في المشرق العربي سورياليّاً، فلماذا لا تكون الأخبار المواكبة لهذا الواقع سورياليّة هي أيضاً؟ من هذه الفكرة ربما، انطلقت شبكة "الحدود" الإخبارية الساخرة في العاصمة الأردنية عمّان في حزيران/يونيو 2013 بمبادرة من فريق يتكون من ثلاثة أشخاص فقط لا غير، هم: عصام عريقات وكمال خوري وأمجد يامين بالإضافة إلى مصمم وتقني.

تنشر الشبكة مقالاتها ومواضيعها الساخرة في قالب الأخبار والتحليلات اليومية التي تعتمدها المواقع الإخبارية الاعتيادية، مقاربة في كثير من الأحيان أحداثاً راهنة بشحنة عالية من التهكم والنقد اللاذع، معريّة بذلك الواقع المأساوي الذي تعيشه المنطقة ولا معقوليته وانعدام المنطق فيه أحياناً. كما تخرج المتابع من إيقاع الروتين الخبري اليومي الباعث على الإحباط والكآبة وساخرةً من هذا الإيقاع في الوقت ذاته.

تحت شعار "نحو مستقبل ما"، يضم موقع الشبكة خمسة أبواب رئيسية هي: آخر الأخبار، وسياسة، واقتصاد، وثقافة وعلوم، ورياضة وشباب. تنال الأخبار الخاصة بالشأن الأردني النصيب الأكبر فيها بحكم انتماء المشرفين على الشبكة، لكن هذا لا يمنع من نشر أخبار ساخرة متعلقة بالشؤون العراقية والسورية والفلسطينية ودول أخرى.

بالطبع، لا تقتصر الشبكة في مقارباتها على الشأن السياسي العام، بل تسعى لنقد انتشار الفساد والتخلف والتقاليد الاجتماعية البالية وعقليات الحجب والمنع والإقصاء، فظواهر مثل بيروقراطية الدوائر الحكومية والتحرش وجرائم الشرف والنفاق الديني تتم مقاربتها بعناوين تلعب على وتر التناقضات اللغوية والمفارقات في المعنى: "أمّ تقتل ابنها بعد شكوك بتورطه بعلاقة مع زميلته في الجامعة" و"فوضى عارمة في مبنى حكومي بعد العثور على موظفة مبتسمة" و"مواطنون يشتكون من تحرّش الحكومة بهم جنسياً".

يقول أحد مؤسسي الشبكة، عصام عريقات، لـ"المدن" أن القائمين على المشروع يأملون منه المساهمة في "فتح حوار من نوع جديد بخصوص الأوضاع السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم العربي". ويوضح أن "سياسات التحرير والتوجهات العامة لوكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأخر، تمنع الصحافيين في الكثير من الحالات من تغطية الأحداث إلا من زاوية تتوافق مع السياسة التحريرية للمؤسسة، والتي بالعادة لا تتوافق بشكل كبير مع الواقع على الأرض"، مشيراً إلى أن هذا ما دفع فريق "الحدود" إلى العمل "بطريقة تسمح لنا بتغطية الأحداث في المنطقة بحيث نعكس مخاوف ومشاكل عامة الناس من دون القلق إزاء ما إذا كانت المؤسسة الفلانية ستنشر مثل هذا الموضوع أم لا لأنه قد يزعج إحدى جهات الاستثمار فيها أو معلنيها".

يلفت عريقات إلى أن الشبكة "تعمل حالياً على توسيع قاعدة الكتاب والمشاركين بالمواد، حيث عقدنا نحو أربعة ورشات عمل ستتبعها ستة ورشات أخريات تتعرض جميعها للكتابة الساخرة وأسس الكوميديا"، بالإضافة إلى السعي لاستقطاب "الكتّاب والهواة من الدول المجاورة، لبنان وسوريا ومصر والسعودية، خصوصاً أن المواد المدقعة في محليتها وارتباطها بمكانها وخصوصيته، هي المواد التي تمتاز بالغزارة وتعدد أوجه النكتة فيها بحيث تمس ما هو سياسي واجتماعي في آن، وتحافظ على روح أصيلة فيها".

لكن ثمة عوائق أيضاً تواجه "الحدود"، أوّلها التمويل لأن المشروع غير ربحي، حصل على دعم جزئي من "المؤسسة الأوروبية للديموقراطية" فيما يبحث القائمون عليه عن مصادر تمويل أخرى. وثانيها أن "طرح الكوميديا أو الكتابة الساخرة كطريقة للنقد جديدة بشكل عام على المنطقة" وفق تعبير عريقات، الذي يلفت إلى حالات عدة "حيث ظنّ القرّاء أن المواد الساخرة المنشورة إنما هي حقيقية أو أنها أخبار ملّفقة". وثالثها هو "ضيق صدر البعض بالمختلف والساخر، واعتيادهم الخطوط الحمراء العديدة، التي لا يتقبلون كسرها حتى في الإطار الساخر". ورابعها أن كتابة مواد ساخرة لا تكون متاحة بسهولة عندما يتعلق الخبر الأصلي بأحداث مأساوية كآلاف القتلى في غزّة أو آلاف المهجّرين والمهددين بالموت في العراق.

أما في ما يخص الرقابة فيرى القائمون على الشبكة أن سقف حرية التعبير في الأردن مرتفع مقارنة بمعظم الدول العربية، نافين تعرض فريق العمل لأي مضايقة أمنية "بشكل مباشر" ومعربين عن أملهم "أن تبقى الحكومة على القدر نفسه من الوعي المتوقع منها، وتقبل طريقتنا في نقد الواقع وهموم الناس". ويؤكد عريقات على أن المشروع سيستمر "بالتمويل أو من دونه" خصوصاً أن "الواقع في المنطقة بات يتنافس فعلياً مع المواد الساخرة، فقد باتت المواد الإخبارية المحلية أكثر سخريةً من خيال الكاتب في العديد من الحالات".

increase حجم الخط decrease