الجمعة 2014/06/06

آخر تحديث: 21:08 (بيروت)

"تحرير سوري".. صحافة المواطن على طريق الاحتراف

الجمعة 2014/06/06
"تحرير سوري".. صحافة المواطن على طريق الاحتراف
increase حجم الخط decrease

 في أواسط شهر آذار/ مارس الفائت، أطلق القائمون على مجموعة "تحرير سوري" موقعاً إخبارياً على الشبكة العنكبوتية حمل الاسم نفسه: تحرير سوري، برز اسمه على نطاق واسع، في خبر نشره عن مقتل الراهب الإيطالي باولو داليليو المختطف من قبل تنظيم "داعش". ان الخبر غير دقيق، لكن الموقع، يهدف، وفق القائمين عليه، إلى إتاحة "المجال أمام المراسلين المستقلين والمواطن الصحافي ليقوم بنقل آخر مستجدّات الصراع السوري بشفافية ومصداقية دون تحيز، وبعيداً عن أي ولاء للتيارات السياسية المختلفة". يكون ذلك عبر "تغطية أخبار الساحة السورية بموضوعية وتقديم منبر حر للشباب السوري ليساهم في تأسيس إعلام المستقبل المستقل، ولينتقل من كونه مصدراً للخبر إلى محرر.. يحرّر المادّة بمهنية لتصل المعلومة إلى المتابع دقيقة وخالية من المبالغات والإشاعات".

والمشروع، جزء من منظومة إعلامية ظهرت بعد انطلاق الثورة، كجزء من التحول الإعلامي في البلاد، بما ينسجم مع التحولين السياسي والإجتماعي. فبعد وقت قصير على اندلاع الإحتجاجات ضد النظام السوري، بدأت تظهر على موقع "فايسبوك" مجموعات وصفحات إخبارية سورية، أسسها مواطنون صحافيون أو فاعلون على وسائل التواصل الإجتماعي بمبادرات ذاتية، وهدفت إلى نقل أخبار وشهادات من المدن والبلدات والقرى السورية المختلفة بعيداً عن روايات النظام وهذيان وسائل إعلامه من جهة، وبحثاً عن مصداقية خبرية مستقلة عن الشبكات الإعلامية المعارضة والمنحازة أحياناً من جهة أخرى.

 برزت من هذه المجموعات والصفحات: "أخبار شباب سورية" و"شاهد من قلب الحدث" و"شاهد عيان سورية". ثم انضمت إليها في شهر تموز/ يوليو من العام الماضي مجموعة "تحرير سوري" التي تمكنت من تحقيق نجاح لافت ضمن فترة زمنية قصيرة نسبياً، إذ قارب عدد أعضاءها الأربعة وعشرين ألف عضواً. وأنشأ القائمون عليها صفحة فايسبوكية حصدت إعجاب 2500 شخص تقريباً.

يشرف على إدارة المجموعة اثني عشر شخصاً، يشارك ثمانية منهم في إدارة وتحرير الموقع الإلكتروني، جميعهم أتوا من خلفيات مهنية ودراسية متنوعة، لا تشمل بينها الصحافة والإعلام. يعمل جميع هؤلاء في المجموعة والموقع كمتطوعين دون أي مقابل مادي. ويوضح أحد مشرفي "تحرير سوري" محمد غنام لـ"المدن" أن المساهمين في المشروع يسعون دائماً لتلافي غياب الخبرة الإعلامية المهنية والأكاديمية عبر "التطوير الذاتي وقراءة المراجع والبحث والمتابعة الدائمة وتبادل الآراء".

الموقع الإخباري الذي يشمل نسخة إنكليزية أيضاً، إنطلق بناء على تبرع بسيط تلقته المجموعة من صديق لها لا يتجاوز 300 دولار أميركي. ويتضمن سبعة أقسام هي: آخر الأخبار ومحلي وسياسة وأخبار إقليمية- دولية وصحافة ولقاءات ومنوع. لكن الأقسام السبعة تعاني من تداخل واضح. فلا يمكن التمييز بين الأخبار الواردة تحت بند "سياسة"، وتلك الواردة في باب الأخبار الإقليمية والدولية. جميعها أخبار تتناول الشأن السوري. بل إن خبراً بعنوان "مجلس شورى المجاهدين في دير الزور يعلن فك الحصار عن المدينة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)" ورد في قسم "منوع" (لا بد هنا من ملاحظة الطول الزائد في العنوان وعدم جلاء معناه).

نجح الموقع والمجموعة من خلفه في إيراد العديد من الأخبار الخاصة، بعضها متعلق بالشأن السياسي وآخر بالتطورات الميدانية،.. كما سجل القائمون عليه أكثر من سبق صحافي وذلك من خلال "الإعتماد على معارف وعلاقات شخصية لاستقاء أخبار ميدانية في مناطق ساخنة وعبر مقاطعة للأخبار عبر أكثر من مصدر"، وفق غنام.

رويداً رويداً، تحول مشروع "تحرير سوري" إلى مصدر خبري مهم، ليس لمتابعي الشأن السوري من الأفراد فحسب، بل لوسائل إعلام محلية وعربية وحتى عالمية. وتم الإشارة إليه كمصدر للخبر في أكثر من وسيلة، تبدأ من موقع "زمان الوصل" السوري، وتنتهي بصحيفتي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" الأميركيتين، مروراً بموقع "العربية نت" وصحيفة "كوريير دي لاسيرا" الإيطالية. هذا عدا عن وسائل إعلام أخرى لا تشير إلى مصدر الخبر الأساسي، حتى أن صفحات ومواقع موالية للنظام السوري قامت بنقل أخبار وصور خاصة بالموقع ومن ثم تحوير سياقها.

 لكن هذا النجاح لم يمنع حدوث زلات قاتلة في بعض الأحيان. إذ أورد الموقع أواخر شهر أيار/ مايو الماضي خبراً عن مقتل الراهب الإيطالي باولو داليليو المختطف من قبل تنظيم "داعش". أثار الخبر حينها لغطاً واسعاً، وتبين أن "تحرير سوري" اعتمد في خبره على شاهد عيان واحد فقط، نقل شهادته مراسل من مدينة الرقة. سبق للموقع أن ارتكب خطأ مشابهاً في بعض الأخبار التي أوردها من بلدة "عدرا" بريف دمشق والتي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية، حيث تم نقل عدد من الوقائع بالإعتماد على رواية لشاهد عيان واحد فقط، ورسمت روايته حينها عدداً من إشارات الإستفهام.

نشاط "تحرير سوري" على الشبكة العنكبوتية لا يقتصر على فايسبوك والموقع الإخباري، للمشروع حساب على موقع "تويتر" ينشر أخباراً على مدار اليوم، ويضم أكثر من 4700 متابع بينهم أسماء مهمة لصحافيين وكتاب عرب وغربيين.

غنام الحاصل على إجازة في هندسة الميكانيك من جامعة دمشق، والذي يعمل اليوم كمراسل في مكتب "نيويورك تايمز" في بيروت، يشير إلى أن كافة المتطوعين في "تحرير سوري" يأملون إلى التطور "درجة فدرجة للتحول إلى منصة إعلامية موثوقة إخبارياً". يحتاج ذلك طبعاً ال تمكّن القائمين على المجموعة وعلى الموقع من مهارات إعلامية مختلفة، وقبل كل شيء تحولهم من متطوعين إلى موظفين.

increase حجم الخط decrease