الإثنين 2014/05/05

آخر تحديث: 03:19 (بيروت)

'بحب الموت': البعث في ذروته الداعشية

الإثنين 2014/05/05
'بحب الموت': البعث في ذروته الداعشية
increase حجم الخط decrease
 الفولار البعثي ليس سوى سوط يلسع ظهر الطفل المتوجب عليه تجرع أفكار الحزب الحاكم في سوريا. يحيلنا إلى ذلك، الصوت الذي يصدح في اللقطة الأولى من فيلم "بحب الموت"، من إخراج آمن العرند وإنتاج مؤسسة "بدايات". تكتمل الصورة التسلطيّة بعد أن يلتف الفولار على رقبة الطفل ويُشدّ بعقدة من الأمام، فيغدو أقرب إلى "الرسن" الذي يستخدم لتسيّير الحيونات.
 
عبر لقطتين ذكيتين، يفضح الفيلم وظيفة العلامة البعثية التي لم تنجُ رقبة سورية من قسوتها العقائدية. العلامة التي تختزن عنف النظام الأسدي بآلية إلتفافها على أعناق الأطفال، لتحولهم إلى قطيع وتنزع عنهم أي شعور بالفردية، كانت جزءاً من المنظومة الرمزية التي تستخدمها السلطة أيضاً لإعلان وجودها. ذلك الوجود القائم على بناء علاقات خوف مع المحكومين والتفنن بإخضاعهم.
 
الفيلم يتجه نحو التلفزيون لتظهير الفكرة أكثر. علاقة الأطفال البعثيين مع نظامهم يسهل رصدها عبر استعادة البرامج التلفزيونية التي لطالما خصصت في فترة بعد الظهر. وأمام صورة ضخمة لرباب وباسم، وهما الشخصيتان الكرتونيتان المعروفتان في دروس القراءة المدرسية، تظهر المذيعة لتقدم بلغة خشبية بعثية موهبة غنائية طلائعية. الفتاة – الموهبة تردد اسمها بآلية ميكانيكية تكشف طبيعة البرمجة العقائدية التي خضعت لها.
 
ما ستغنيه الطفلة، والتي تحسم المذيعة إهداءه إلى راعي "الطفولة والشباب"، يماهي عمداً بين أدبيات البعث وأفكار المجموعات الإسلامية المتشددة. فحب الموت الذي يأتي بـ"السكين من هويتي باسم الدين"، وفق كلمات الاغنية، يأتي أيضاً "بالكيماوي شي ظريف اللاوي". هذا التقاطع في أسباب الموت عند الطرفين العنفيّين، يجد موازيه المشهدي باستخدام فرقة ترتدي زياً داعشياً تشارك الطفلة البعثية بالغناء والرقص أيضاً.
 
كأن الفيلم يسعى إلى إعادة انتاج البعث بنسخته الداعشية. إذ إن المماهاة السلوكية بين الطرفين، تبدو ظاهرية فقط، تكتفي برسم تقاطعات عن الذبح والقتل الوحشي الممارس من قبل كليهما. هدف الفيلم يتجاوز هذه المماهاة التقنية، ليستهدف جوهر البعث القائم على إلغاء الذات وتحويلها إلى رقم في قطيع يردد عقائد صلبة تصب في تبجيل شخص الحاكم الديكتاتور.
 
baa2.jpg
 
إمحاء الذات بعثياً وتدميرها، يبدو سياقاً طبيعياً في الفيلم لتحويلها نحو الهوى "الداعشي". فالفرادة التي كان من المحتمل أن تواجه التطرف، ذوّبها البعث في تنظيماته الطلائعية العقائدية. لتغدو الداعشية ذورة البعثية وخاتمتها. تستلم الأولى من الثانية الذوات الفارغة، وتتشارك معها في إبتداع أساليب القتل عبر الذبح والكيماوي. 
 
لم ينحرف الفيلم عن فكرته عبر إدخال نموذج ثالث أنتجته الصورة خارج القطبين السابقين. أراد صانعوه تتبع حركة البعث وتأثيراتها في الأطفال السوريين، ليرصدوا تحول "الرفيق الطليعي" إلى "أخ" داعشي. وفي كلتا الحالتين، يؤمن بالموت ويلف عنقه تارة بفولار البعث البني الذي يحتضن صورة القائد، وطوراً بشارة سوداء كتب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله". 
increase حجم الخط decrease