الإثنين 2014/06/23

آخر تحديث: 15:30 (بيروت)

الزعيم في صوره: وحشية الأنسنة

الإثنين 2014/06/23
increase حجم الخط decrease

تعالج بعض الصور الآتية إلينا من كوريا الشمالية قليلاً من المجهول المستغلق الذي يغلّف أحوال هذا البلد. لكنه علاج يضيف إلى المرض عللاً جديدة. فما يبدو ظاهراً عبر الصور، يخفي غموضاً لا يقل جهلاً عما كان قبلها. ذلك إن الديكتاتوريات غالباً ما تحرف الصور عن مجراها الإستظهاري، وتجعلها جزءاً من عالمها الذي يحيل المفاهيم والعناصر والسلوكيات إلى وظائف عكسية تعمل بالضد من مسالكها الطبيعية.

 

الزعيم  كيم جونج أون الذي ورث والده في مهمة متابعة الإستبداد في كوريا الشمالية  ومواجهة الإمبريالية العالمية، تبدى في خمس وعشرين صورة نشرها موقع "تليغراف" لإظهار الجانب الآخر من حياة أون. صور قال الموقع إن الجمهور لا يعرفها، علماً أن الجانب السياسي الذي تريد الصور إستبعاده لصالح ما هو حياتي لدى الزعيم الشاب، مجهول بالنسبة الينا بقدر مجهولية الجانب الآخر. وعدا عن حادثة إطعام جسد زوج عمته للكلاب الجائعة، لتلقين أي منافس له على الحكم درساً من الرعب، لا نعرف عن أون شيئاً.

 

هذه الحادثة كانت تكثيفاً للزعيم بوصفه ديكتاتوراً وحشياً لا ينازعه على السلطة أحد. وبما أن كوريا الشمالية بلد معزول عن العالم بحكم سياساتها المعادية للغرب، فلا ضرورة لتقديم الزعيم كسياسي محنك وذكي وداهية، على ما اعتاد الديكتاتور العربي تصوير نفسه. يكفي أن يكون وحشاً سياسياً يخيف خصومه في الداخل ويترك لهم تخيل لحومهم بين أنياب الكلاب المفترسة. هذا الخيال أراده الزعيم تعبيراً عن الجانب الذي ادّعت الصور المنشورة حديثاً تجاهله لصالح ما هو إنساني.

 

الإرتباط بين الجانبين، يحيل إلى التماثل الوحشي في شخص الزعيم. فالصور وضعت أساساً لتعلي من عادية أون وتلقائية تعامله مع شعبه، لكنها في العمق أظهرت الجانب الأول، أي الوحشي. فبرغم أنه يحمل غيتاراً موسيقياً في إحدى الصور، لكنه يبدو محاطاً بجنرالاته. أما الأطفال الذين يبكون في صورة أخرى تعبيراً عن فرحهم برؤية الزعيم، فهم إحالة قاسية لصورة القائد- الإله الذي يبكي شعبه كلّما أطل عليه.

 

والأهم، أن صور أون تزيد من غموض أحوال هذا الزعيم الطموح ديكتاتورياً، إذ تحاول إنتاج صورته ضمن أفعال ولحظات وسلوكيات مسبقة الصنع جرى ترتيبها لتقدم "الجانب الآخر" للزعيم. وقد لا يكون الإفتعال هو المأخذ الجوهري على الصور، إذ غالباً ما يسعى السياسيون في العالم إلى تحسين صورتهم في أذهان شعوبهم عبر حملات إعلامية – إعلانية. لكن، في حالة أون، يصعب فصل الجانب الوحشي (حادثة زوجة عمته) عن الجانب الآخر (الصور التي جرى نشرها). ثمة صلة وظائفية بين الجانبين تجعل من الزعيم عصياً على أي محاولة لتلميع صورته بصرياً.

 

وإذا كانت حادثة زوجة عمته تستبطن الكثير من الغموض عن أحوال الحكم في هذا البلد المغيّب قسراً، فإن الصور المنشورة تستبطن كذلك الكثير من الغموض حول الحياة الشخصية للزعيم. ولنا أن نتذكر أن الرئيس الليبي معمر القذافي، كان يهوى شغل الإعلام بتصرفاته الغرائبية وتوثيقها بصرياً، لنتكشف لاحقاً أن حقيقة القذافي ليست في صوره الغرائبية، وإنما في الأقبية التي مارس فيها سادية جنسية.

increase حجم الخط decrease