الأربعاء 2014/06/25

آخر تحديث: 14:15 (بيروت)

الإعتراف الجهادي بوصفه "مطهراً"

الأربعاء 2014/06/25
الإعتراف الجهادي بوصفه "مطهراً"
من فيديو "النصرة": "أسرار وأخبار حول سقوط القلمون"
increase حجم الخط decrease

العقل الجهادي البصري يتلذذ بأحوال ضحيته حين يهمّ الأخير بالإعتراف قسراً. الشريط الذي بثته "الهيئة الشرعية" في القلمون والتابعة لجبهة "النصرة "، وهي المتغذية عقائدياً من موائد "القاعدة" وأربابها بن لادن والظواهري، تحت عنوان "أسرار وأخبار حول سقوط القلمون"، يُظهر المعترفين بوصفهم خاطئين، ولا بدّ من تقديم المبررات لمعاقبتهم.

في الأساس، ينطوي الإعتراف أمام عدسة كاميرا جهادية، على نتائج خطرة، أولها إنتقال الفعل الإعترافي من المجال الدنيوي، حيث ينضبط العقاب ضمن دائرة الممكن، إلى المجال الديني وما يترتب عليه من تصفية وإلغاء. انتقال يستتبع كذلك تجريد القضية موضوع الإعتراف من سياقاتها السياسية، تمهيداً لجعلها نقطة فصل حادة تحيل حياة المعترف إلى حياتين، واحدة تسبق ما فعل وأخرى تثبت ذلك الفعل وتحوله إلى نهاية عقابية لا نجاة منها. عند هذه النقطة تتكثف إنفعالات المعترف متأرجحة بين التحسر على حياة مضت، والخوف من نهاية يجهل سيناريوهاتها المرعبة. 

ظاهرياً تريد "النصرة" أن تقول في الشريط المعنون "أسرار وأخبار حول سقوط القلمون"، أن جواسيس وعملاء للنظام تسللوا إلى الصف الواحد وتسببوا في سقوط المنطقة بأيدي قوات الرئيس السوري بشار الأسد الجاهدة نحو إنتصارات مجازرية. لكن في العمق تبتغي الجبهة، المغدورة داعشياً، تحويل فعل التصوير إلى "مطهر" وجعل التفاصيل التي يرويها المعترفون إلى "خطايا". الخلفية السوداء، حيث مسرح الإعتراف، تستعير إقتراحات الجحيم في الروايات الدينية. فلا نرى سوى الضحية أو الخاطىء كما تريده "النصرة". أما بقية العناصر في الصورة، فتختفي وتزول، تمهيداً لإخفاء صاحب الموضوع نفسه.

ذاك أن القصاص عنصر جوهري في شريط "النصرة"، على ما تظهر آية قرآنية وردت في البداية، لدرجة أن السياق البصري بكامله ليس سوى ذريعة للخروج بالخلاصة القصاصيّة. ما يجعل فعل القتل المنزّل بداهة بالمعترفين، أقرب إلى الفضيلة.. إذ يقتل البشر لأنهم مذنبون بحق انفسهم، والنفس كما تراها "النصرة" وعاء للجهاد المحصن بالتأويلات العسكرية.



وكي تكتمل الصيغة العقابية القصاصية بصرياً، تختتم "النصرة" شريطها بدعوة لـ"العملاء والخونة" لأن يتوبوا. فتصبح العودة عن الفعل جزءاً من الفعل نفسه، داخل سياق ديني يتأرجح تصنيفه للأعداء بين خطّائين وتوّابين. هذا السياق، رغم بُعده الوظائفي العقابي، يحمل بذور نفيه، فلا تبدو الإعترافات ذات قيمة بعد التركيز على غائية العقاب وسياق الفعل الذي أوجبه.

واعتمدت "النصرة" هذه الإستراتيجية الإعلامية، منذ إدانة رئيس المجلس العسكري السابق في درعا أحمد فهد النعمة بسقوط قرية خربة غزالة. في مطلع أيار/مايو الماضي، بثت النصرة إعترافات النعمة، التي قال معارضون لها إنه لا يُعول عليها نظراً لوجود آثار تعذيب على جسده. كانت ذل الشريط المقتضب، بداية الإعلان البصريّ للإعترافات، قبل أن تتطور الحرفة في الشريط الأخير الذي بدا أكثر احترافية، ويتضمن تفاصيل استغرقت وقتاً لإنجازها.

وفي الحالتين، يتربع شريطا الإعترافات العائدين للنصرة، على النقيض من الإعترافات التي درج الإعلام الرسمي النظامي على بثها لتأكيد روايته حول وجود "عصابات مسلحة" اتخذت راهناً صفة "الإرهاب"، محوّلاً الإعترافات نفسها إلى جوهر وغاية، على اعتبار أن العقاب هو أداة بنيوية عند هذا النظام، ولا حاجة لبناء سياقات لتبريرها. قد يفسر ذلك وجود بُعدٍ دراميّ، وأحياناً هزليّ في اعترافات النظام، في حين تقتصر إعترافات "النصرة" على وجوه المعترفين الخارجة من لجج السواد.

وفي الحالتين، يبدو المعترفون على موعد مع موتهم المحتّم، تارة عبر إستغلال كلامهم لتثبيت رواية رسمية كاذبة، وطوراً عبر تحويلهم إلى جناة دينيين تقتضي أفعالهم القصاص العادل.

increase حجم الخط decrease