الأحد 2014/05/18

آخر تحديث: 22:40 (بيروت)

إعلانات الزمن البعثي

الأحد 2014/05/18
إعلانات الزمن البعثي
من دعاية "توكسي"
increase حجم الخط decrease
لم تكن الإعلانات التي عرضت على شاشة التلفزيون السوري خلال سنوات الثمانينات والتسعينات سوى جزء من الفقر البصري الذي كان يعمّ البلاد بفعل الحظر الذي فرضه النظام الديكتاتوري على سوريا ومنع مواطنيها من التواصل مع العالم. لم يكن هناك نجوم يمكن الاستعانة بهم في انتاج دعاية تلفزيونية بسيطة تسوق لسلعة ما. سوريا كانت غارقة في الشعاراتية النضالية المزيفة التي تحتقر أساساً فكرة النجم وتحارب الفرادة.
 
يبدو ذلك سبباً مقنعاً لانعدام وجود نجمات سوريات في دعايات تلك الحقبة، فتيات تتسلط على وجوههن الكاميرا البدائية وتستعرض دلالهنّ المفتعل لإقناع المستهلك بشراء المنتج، موضوع الإعلان. صانعو الاعلانات استوردوا فتيات الإعلانات اللبنانيات لاستثماره بصرياً في دعاياتهم. هكذا ظهرت الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي في أوائل التسعينات بطلة لدعاية تلفزيونية على الشاشة السورية تروج لمعكرونة "دانا". وفي دعاية أخرى تسوق وهبي لمسحوق الغسيل "بشرى" وقد تقاسمت هذه المرة بطولتها مع النجمة اللبنانية كاتيا كعدي. 
 
باستثناء بعض الكومبارس الذين كنا نشهدهم في المسلسلات الدرامية لم نر وجوها سورية معروفة، وفق ما تظهر صفحة "دعايات سورية قديمة" في "فايسبوك" والمعنية برصد دعايات تلك الحقبة. هذا الإفلاس النجومي يقابله أيضاً إفلاس بالأفكار التي تنحو إلى الكوميديا فيما لو جرى مقارنتها بإعلانات عصرنا الحالي. إذ يحضر "طرزان ابن فلان " مع عائلته في الغابة بثياب بدائية ليعلمنا عن وجود آلة " باقية" لصنع البوشار، في حين استلزم التسويق لمحارم "هيا" وجود مذيع في استديو الاخبار ليبث مزايا هذه المحارم على الهواء مباشرة. 
 
اللافت أن معظم الدعايات السورية القديمة التي توثقها الصفحة مشغول وفق إيقاعات غنائية مألوفة كي تشدّ انتباه مشاهديها حسب اعتقاد منتجيها. كما يلفت الانتباه كذلك، حجم التهريج الذي يصاحب أداء الممثلين ويجعلهم كائنات ممسوسة تمارس تصرفات غير مفهومة بغرض إضحاك المشاهدين وجذبهم إلى المنتج المعلن عنه. وكأن هذه الإعلانات تسعى إلى خلق مواطن غبي ما يدفعه إلى شراء سلعة ما هو تماثله مع كائنات ترقص وتتخبط وتتحرك بأساليب عبثية تخلو من المعنى. 
 
برغم كل هذه الصفات السيئة فإن الكثيرين من السوريين يستسيغون مشاهدة الدعايات القديمة باعتبارها جزءاً من ذاكرتهم فقد نشأوا  وهم يشاهدونها بشكل متكرر على الشاشات السورية. وقد يكون من الطبيعي أن تشكل الدعايات مادة خصبة للنوستالجيا ، خصوصاً
في ظل هذه الأوضاع المأساوية التي تلف عموم السوريين. 
 
لكن هذه النوستالجيا ليست بريئة أيضاً من التعبير عن رغبة مضمرة في العودة إلى زمن الاستقرار البعثي الخالي من أي معنى، بحسب ما تصوره دعايات التلفزيون السوري. زمن يجبرنا على مشاهدة السذاجة ليحث فينا الرغبة على الشراء والتسوق. 
 
يجدر بنا أن نوسع دائرة الضحك التي تنتابنا حين نشاهد الدعايات السورية القديمة فنضيف أنفسنا موضوعاً لهذا الضحك أيضاً. فالبعث الحاكم لم يكتفِ باحتقار البضائع الأجنبية المستوردة من الخارج بل احتقر أيضاً مستهلكي البضائع الوطنية التي كان يفخر بها. والعلامة الأبرز على الاحتقارين، دعاية ساذجة خالية من المعنى لا تكف عن السخرية من مشاهديها.

btb.png

201312718676334.jpg
 
increase حجم الخط decrease