الإثنين 2014/01/20

آخر تحديث: 05:59 (بيروت)

عودة العنزة بعدما طارت

الإثنين 2014/01/20
عودة العنزة بعدما طارت
من برنامج "عنزة ولو طارت"
increase حجم الخط decrease
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد النظام السوري في آذار/ مارس 2011، والمحاولات السورية لاستنساخ تجربة الإعلامي المصري باسم يوسف لم تتوقف. فعلى خطى يوسف، قدم سوريون كثر عبر "يوتيوب"، تجارب لبرامج ومبادرات إعلامية فردية وجماعية، باء معظمها بالفشل وحافظ القليل منها على استمرارية ما، فيما لم يُصب أي منها نجاحاً يضاهي تجربة "البرنامج".

من ضمن هذه المحاولات، أتى برنامج "عنزة ولو طارت" الذي يمكن اعتباره أنجح البرامج وأكثرها احترافية، وهو أكثرها شبهاً في الشكل وطريقة العرض مع الظهور الأول للإعلامي المصري عبر "يوتيوب" بُعيد اندلاع ثورة يناير في مصر، وقبل أن يتحول باسم يوسف لاحقاً إلى تقديم برنامج "البرنامج" بمرحلتيه التلفزيونيتين.

قبل أيام قليلة فقط، قدم فريق "عنزة ولو طارت" الحلقة الثانية من موسمه الثاني، بعد سبعة شهور تقريباً على تقديم أولى حلقات هذا الموسم! تباعد طويل بين الحلقتين وانعدام انتظام مواعيد إنتاج الحلقات. قد يكون هذا التباعد وذاك الانعدام في الصدور المنتظم، مبررين بحسب الظروف المجهولة لطاقم العمل وأماكن تواجدهم وشروط إنتاجهم (اقتصر الموسم الأول على 13 حلقة غير منتظمة في مواعيد صدورها، تلتها فترة غياب استمرت شهوراً عدة قبل أن يبدأ الموسم التالي).

اختارت الحلقة الجديدة تناول تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام"، المعروف اختصاراً باسم داعش. تُظهر الحلقة أن مشكلة الثائرين السوريين مع داعش هي مشكلة جذرية تعود إلى اختلاف كامل في القيم والأفكار والأسلوب بين ما تريده الثورة السورية وما يريده "الدعاديش"، كما تظهر أوجه شبه متعددة بين داعش والنظام السوري تمتد حتى إلى استنساخ الأول لنشيد حزب البعث "يا شباب العرب هيا" وإصدار نسخة إسلاموية جهادية منه، تستبدل مفردات الفلاح والعامل فيه بعبارات قطع الرؤوس وفل الحديد، بينما تبقي على لحنه الخالد في الذاكرة الجمعية السورية.

تشرح الحلقة المعنونة "آرابز غوت داعش" أن مشكلة الثائرين السوريين مع داعش لا تأتى فقط نتيجة ما تمارسه بحق الثورة وبيئاتها الحاضنة، بل تذهب إلى أنه لا مكان للتنظيم الأصولي في سوريا حتى لو اقتصر على محاربة النظام وحلفائه الإقليميين. إلا أن طرح هذه الفكرة تأخر إلى ما بعد الصدام الأخير بين الكتائب والألوية المحسوبة على الجيش السوري الحر من جهة، ومقاتلي "دولة الإسلام" من جهة أخرى. لم يستبق أصحاب البرنامج هذا الصدام، فبدت الحلقة رد فعل متأخر على ظاهرة يمتد عمرها شهوراً وكانت جديرة بنقد واضح من إعلام ثوري حر وغير مركزي يسعى إلى تقديم نفسه بديلاً من إعلام السلطة الخشبي والشديد المركزية.

لكن للحلقة أيضاً سقطتها. فللسخرية من مقطع فيديو آت من العراق، لمقاتلين من "الدولة الإسلامية" يعدمون ثلاثة سائقي شاحنات سوريين علويين عجزوا عن معرفة تفاصيل الصلوات وأعداد الركعات، يتم إدخال السؤال الشهير لمقدم برنامج من سيربح المليون جورج قرادحي: "جواب نهائي؟". لكن المفارقة هنا لم تكن مضحكة أبداً، كيف وهي تقارب لحظة مغرقة في العدمية والقسوة تسبق إعداماً وحشياً لثلاثة مدنيين لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في طائفة أخرى، وصودف وجودهم في الزمان والمكان غير المناسبين.

عانت الحلقة أيضاً، كما عانت كافة الحلقات السابقة، من لجوء مقدمة البرنامج "مندسّة سورية" إلى وضع قناع لإخفاء ملامحها وتغيير طبقة صوتها، قناع يفقد كل ما يمكن لإيماءات الوجه تقديمه في برنامج ساخر، وطبقة صوت ثخينة تذهب أحياناً بتلاوين صوت المقدمة الأنثوي.

مع ذلك، سجلت "آرابز غوت داعش" نحو 14 ألف متابع في "يوتيوب" في غضون أيام ثلاثة فقط، وهو دليل على أن "عنزة ولو طارت" بنى له قاعدة جماهيرية ثابتة إلى حد ما، ولم يتأثر كثيراً بانقطاعه الطويل، قاعدة ستحتم على القائمين على البرنامج بذل جهد مضاعف لتقديم ما يليق بها.

increase حجم الخط decrease