الخميس 2014/09/11

آخر تحديث: 18:58 (بيروت)

الكشف عن مصير المفقودين: النضال مستمر

الخميس 2014/09/11
الكشف عن مصير المفقودين: النضال مستمر
70 % من الأسر ترغب بمعرفة مصير أحبائها المفقودين وفقا للصليب الأحمر الدولي
increase حجم الخط decrease

 

"آلاف الآباء والأمهات والأطفال والزوجات والأصدقاء ما زالوا ينتظرون الحصول على إجابات"، منذ ما يزيد عن 24 عاماً. مع انتهاء الحرب الأهلية بقيت العديد من المسائل من دون حلول، أهمها مسألة المفقودين في تلك الحرب وبعدها. أولئك الذين فقد أثرهم، بعد اختطافهم من منازلهم بحجة الإستجواب، على نقاط التفتيش، أو إثر مجازر العنف العشوائي. اليوم الخميس أطلقت "جمعية لنعمل من أجل المفقودين" بالتعاون مع "مؤسسة أبعاد – مركز الموارد للمساواة بين الجنسين"، و"المفكرة القانونية"، برنامجاً يهدف إلى إعلام وإشراك أسر المفقودين والمخفيين قسراً في لبنان، بالمطالبة بحقهم في معرفة مصير أحبائهم.

نضال مستمر
لم يتوان أهالي المفقودين، منذ انتهاء الحرب، عن المطالبة بحقهم بمعرفة مصير أحبائهم بشتى الطرق. أمام هذا النضال المستمر، لم يحرك المسؤولون ساكناً بإتجاه الكشف عن مصير مواطنيهم المفقودين. حيث استمرت الدولة بإخفاء الحقائق التي بحوزتها. عام 1995 وضع قانون يسمح بتوفية كل من فقد منذ أكثر من خمس سنوات. دخل القانون حيز النفاذ العام 2000 حيث أجبرت مجموعة من الأهالي على توفيَة أحبائهم اضطرارياً، من دون معرفة مصيرهم الحقيقي. في السنة نفسها تم تأليف لجنة للتحقيق في قضية المفقودين، وقد صدر عنها تقرير لا يتجاوز الثلاث صفحات.

تقول رئيسة مكتب المركز الدولي للعدالة الإنتقالية في لبنان، كارمن أبو جودة في حديث لـ"المدن"، أن "أهم ما ورد في التحقيق هو تحديد مواقع بعض المقابر الجماعية". تضيف أبو جودة: "التعامل مع الموضوع كان من منطلق أن الجميع قد ماتوا... و ليقفل الملف". بعد مرور عام تقريباً، أي في العام 2001، تم الإفراج عن فوج من المعتقلين في السجون السورية، من بين الذين كان يفترض توفيتهم بموجب القانون... "كيف بتوفوهن" تسأل أبو جودة، وكذلك جميع الأهالي المغبونين. هذا مع العلم، أن المئات من المفقودين كانوا قد نقلوا إلى السجون السورية والإسرائيلية بعد اختطافهم على أيدي المليشيات التي شاركت بالحرب، غير أن الإفراج عن "150 معتقلا لبنانيا من السجون السورية منذ العام 1998"، يلغي إمكان إنكار وجود الأسرى.

الإنصاف الأول الذي شهدته قضية المفقودين، كانت في الأشهر الأولى من العام الجاري، عندما صدر عن مجلس شورى الدولة قرار بإبطال قرار الحكومة الرافض لتسليم كامل الملف والتحقيقات التي جرت في قضية المفقودين. وجاء في القرار أن على الحكومة اللبنانية أن تسلم الأهالي نسخة عن كامل ملف التحقيق الذي أجرته اللجنة الرسمية للإستقصاء عن المخطوفين والمفقودين، في إطار حق الأهالي الطبيعي بالمعرفة والوصول الى الحقيقة.

 

حلول ممكنة
شكل قرار مجلس شورى الدولة نقلة نوعية في مسار القضية، حيث باتت الحكومة بموجبه ملزمة بتطبيق حكم القضاء. بالإستناد إلى هذا القرار باتت الحكومة ملزمة بالتالي، بانشاء الهيئات المختصة، والتعاون مع الهيئات الناشطة في هذا المجال للوصول الى كشف الحقائق في نهاية المطاف. يضع المشروع الذي تم اطلاقه اليوم مجموعة من الحلول، التي باتت ممكنة. "التحقيق في مصير المفقودين من خلال معهد وطني مختص، هو الحل الأول. يؤدي انشاء هذا المعهد وتفعيله، بالإضافة الى تسليم ما تم التوصل اليه عبر لجنة التحقيق، الى تحديد مواقع المقابر الفردية والجماعية، لتكون الخطوة اللاحقة هي القيام بنبشها واستخراج الرفات منها. في مرحلة ثالثة، يتم التعرف على الرفات في المختبرات المختصة والتي باتت جاهزة، ذلك من خلال دعوة الأهالي لإجراء فحوص الحمض النووي ومطابقتها مع الفحوصات التي تجري على الرفات".

أما بالنسبة الى الأحياء، فالحل الوحيد هو الإفراج عنهم، الأمر الذي يحتاج الى قيام الدولة بجهود ديبلوماسية ودولية، للوصول الى حل يؤدي للإفراج عنهم من سجونهم السرية. الى حين تحقيق هذه الغاية، يتعين الغاء القانون المتعلق بتوفيَة المفقودين، واستبداله بقانون يسمح بإنشاء "وثيقة شخص مفقود، تتمتع بالفعالية القانونية نفسها التي تتمتع بها وثيقة الوفاة". هذه الحلول ممكنة بالطبع، فبحسب ما جاء في منشور تابع لمشروع "لنعمل الأجل المفقودين"، فأنه قد تم التعرف، حتى الآن، على رفات 20 شخصاً من بين الذين قتلوا في لبنان خلال الحرب الأهلية وقد سلمت رفاتهم الى أهلهم".

وفقاً للمشروع، فإن "70% من الأسر ترغب بمعرفة مصير أحبائها وفقاً لدراسة أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر العام 2012 مع 324 عائلة".  هذا وتعاني هذه الأسر من حالة من التخلي التام عنها من قبل "الدولة، الشخصيات الدينية، والقادة السياسيين". يفاقم هذه الحالة، المحاولة المستمرة من قبل هذه الأطراف، لإخضاع الأهالي لحالة من النسيان القسري. والواقع، أن أهالي 17 ألف مفقود، هم بالتالي مطالبين بالتخلي عن أحبائهم والقبول بهم أمواتا، كانوا كذلك أم لم يكونوا".

لأجل المفقودين
يهدف المشروع المتعلق بـ"الكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسراً في لبنان"، والممول من الإتحاد الأوروبي إلى "إنشاء شبكة من أسر المفقودين في أنحاء البلاد كلها، وتزويدها بمنصّة للتعبير عن آرائها للرأي العام". في هذا السياق تعمل "جمعية لنعمل من أجل المفقودين"، على تنظيم مؤتمرات صحافية للأهالي في مختلف المناطق اللبنانية. أما لناحية الكشف عن مصير المفقودين، فقد تعهدت الجمعية بجمع معلومات تساعد على تحديد مواقع محتملة للمقابر الجماعية وتطوير الإفتراضية المتعلقة بهويات الضحايا المحتملة. بالإضافة إلى
"تحضير أسس آلية رسميّة تنشئها الدولة تكون مسؤولة عن التحري عن مصير المفقودين".

وقد أشارت المفكرة القانونيّة في البيان الصادر عن الجمعيات المشاركة في المشروع، إلى أنّه "بعد قرار مجلس شورى الدولة اللبناني التاريخي أصبح تحديد مكان وجود المقابر الجماعية وحمايتها من خلال القضاء مهما أكثر من أي وقت مضى". كما أكدت أن القضاء "بات يشكل منصة ضروريّة لتكريس حق أسر المفقودين في المعرفة، كما اعترف به مجلس شورى الدولة في وقت سابق من هذا العام".

 

increase حجم الخط decrease