الجمعة 2014/09/12

آخر تحديث: 16:09 (بيروت)

قصص مفقودي الحرب:عَودَتُهم

الجمعة 2014/09/12
قصص مفقودي الحرب:عَودَتُهم
"هاشتاغ" الحملة
increase حجم الخط decrease
 لم تعد الذكرى، مساحة للوجع فحسب. هذا الألم، آن له أن يتقّد. أن يشتعل على صفحات التواصل الإجتماعي، للمطالبة بكشف مصير المفقودين. 

حال الأمهات، وفلذات الأكباد، أوقدت الذكرى. بمجرد لصق "هاشتاغ" #لنحطكن_بالصورة، تخرج عشرات القصص. المئات من الآلام. الآلاف من الدموع. لكل مفقود قصته، ظروف اختفاىه، لغته، مهنته، الساعات الأخيرة قبل اختفائه. جزء يسير منها ذكّرنا به المدوّنون بدءاً من مطلع الأسبوع، بالتزامن مع إحياء العالم لليوم العالمي ضد الإختفاء القسري في 30 آب.

أرادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، المعنيّة بمتابعة قضيتهم، تعديل الطرق القديمة في الاحتفال. تشرح مندوبة اللجنة في قسم المفقودين، يارا خواجة لـ"المدن"، بأنهم طلبوا هذا العام من أهالي المفقودين كتابة رسائل وجدانية ونصوص نثرية وشعرية لأبنائهم المخطوفين. بموازاة ذلك، "جمعنا بيانات ما قبل الإختفاء، عبر زيارة أكثر من الف عائلة". تلك البيانات، تهدف الى "تشكيل هوية ما قبل الإختفاء"، بحسب خواجة. 
 
إستجاب بعض الأهالي للحملة. حصلت اللجنة على أكثر من 90 نصاً وجدانياً، جُمعت في دفاترها. كان الهدف منه إطلاق كتاب خاص في 30 آب، قبل أن تتبدّل الخطة لنشر قضيتهم للرأي العام، بدلاً من إصدار الكتاب، بسبب الوضع الأمني في لبنان. توجهت اللجنة الى وسائل الإعلام التقليدية، والإعلام البديل. إستجاب الجميع، وبدأت تغطية "ما قبل الحدث". تقول خواجة إن "الحملة الإستباقية، تهدف الى نشر الوعي في الرأي العام حول القضية، وكانت تتضمن دعوة للنشاط الذي ألغي"، مشيرة الى ان الحشد الإنساني لقضية المخطوفين "ينطلق من كون القضية وجعاً مستمراً، ويجب أن نجد حلولاً لها". 
 
أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر "هاشتاغ" #لنحطكن_بالصورة، لكنها لم تتبناها. تقول خواجة إن التفاعل "سيحمل وجهاً سياسياً ومواقف لا تتبناها اللجنة الدولية المحايدة". على هذا الأساس، تركت للمغردين حرية إبداء الرأي في قضية إنسانية، عبّر عنها المشاركون بجُمل إنسانية ووطنية ومأسوية. وتواصلت اللجنة مع 11 مدوّناً في لبنان، لجعل اليوم العالمي للتدوين في 28 آب، منسجماً مع قضية المخطوفين. ونجحت في التواصل مع عماد بزي، فرح عبد الساتر، زياد النابلسي، علي فخري، عطا الله سليم، سليم اللوزي، خضر سلامة، احمد ياسين، نور حسنية، اسعد ذبيان وعلاء شهيّب الذين استجابوا لإلصاق صورة فارغة أسفل المدونة، تتضمن هاشتاغ "لنحطن بالصورة". وكان يقود الى صفحة "فايسبوك" الخاصة بالحملة، قبل إلغاء النشاط. 
 
إذن، عبارة بسيطة حركت الملف. ضجّت به المساحات الإفتراضية في مواقع التواصل الإجتماعي. "لنحطّكن بالصورة"، يختصر الكثير من الألم والعذابات. يبقى في إطار سوريالي، قبل أن يوضحه المشاركون فيه. فادي الشامي، يعلن الفحوى بتغريدة. يكتب "مش رح ننسى، مش مفروض ننسى ٣٠ آب اليوم العالمي للأشخاص المفقودين". تتوالى بعدها قصص وصلت بالتواتر، أو عاشها المتعاملون بالـ"هاشتاغ"... "لأنّ المفقودين حياة، حتى لو بعد ما تقرّر مصيرها.. ولأنّهم جزء من حياة كتير ناس منعرفهم، جيراننا واخواتنا وأهلنا وأصحابنا.. لأنّو ولا يوم بتنفع الذكرى اذا بس ضلّت ذكرى بالقلب... شاركوا بحملة #لنحطكن_بالصورة". بدت الدعوة منظمة. تحثّ على التفاعل والمشاركة. هي انتماء انساني لقضية تُنسى. هي حال كل لبناني معنيّ بوجع أهالي المفقودين. 
 
لم يشغل القلق الوجودي مدوّنين من استعادة قضية المفقودين اللبنانيين في المعتقلات. التذكير بهم، جزء من الوفاء لدموع الأمهات. والمطالبة بكشف مصيرهم، جهد إستثنائي لإيقاف حرب تلوح في الأفق. بهم، لم يُطو ملف الحرب. صفحات التواصل الإجتماعي على "فايسبوك" و"تويتر"، تعلن الحرب على لغة الحرب، عبرهم. تناضل لوقف نزيف المآسي، بقصص إنسانية. الفكرة تتخطّى المطالبة الجافة. فالقصة الإنسانية أبلغ. أكثر وقعاً. محاولة لإيقاظ ضمير قاتل، مضطهد، ومسؤول يحسب نفسه غير معنيّ. وخرجت الجُمل الوجدانية مثل "خليه يدقّ على قبري بس يرجع" وغيرها، للتعبير عن أهمية القضية إنسانياً. 
 
وهؤلاء المفقودون، ومعظمهم من الفقراء، لا يلوذ بهم أحد. وحدهم الناشطون والمعنيون بالرابط العائلي، يحركون الملف. الخطوة، على بساطتها، قادرة على تحريك جمر تكاثر فوقه رماد النسيان. غير المعنيين بالألم، لا يعرفون طعم هذا الألم. ومن يختبر دمعة أمّ، وشهقة أمّ، وحنين أمّ، يعرف من أين يثلج قلب الأمّ.. كي لا يتكرر ما يتوجس منه اللبنانيون. 
 
تتوالى الصور والقصص. تكتب زينب رحال: "كان بعدو ما خلص الـ18 سنة لما لاقاها عالدرج هو ورايح ع كلية العلوم بالحدث.. جرّب يسرق منها بوسة بس هيي ما قبلت. ع أساس يرجعوا يلتقوا المسا عالسطح. صارلها 31 سنة كل ليلة بتطلع تنطروا عالسطح وهو بعدو ما رجع. لهلأ ما حدا باسها.. لهلأ ما حدا ضمها..  لهلأ هي ندمانة كيف ما خلتو يبوسها بس لقاها عالدرج". الذكرى نفسها، تسردها يارا الحركة بإطار مختلف. كتبت: " كلّ يوم بحطّ الركوة ع النار.. وبنطره ع الشبّاك وبقول أكيد اليوم رح يرجع".
 
أجيال تعاقبت. أطفال وآباء وأحفاد، توالوا على الصورة. تكتب ميساء سليمان عن ألم طفل، ومعاناته. تسرد: "كل يوم بتسألني وينو بابا، وصار يوم عرسها وبعدها بتسألني وينو بابا..وضلّت تسألني وينو لحد ما صاروا يسألوني وينو جدّو". ويضيف أحمد ياسين في مشاركته: كانوا هون، وما بقي منّن إلّا صورة". و"صار لازم نعرف وين راحو لنحطكن بالصورة". 
 
آخرون، يحاكون صورة بالأبيض والأسود. ويدقون على آذان المسؤولين: "لنحطكن بالصورة طالما ما قدرتوا ترجعولنا اللي بالصورة". يكتب شادي أبو كرم. ويخرج النقاش الى مرحلة الحرب اللبنانية، وأحداث مصيرية. بومدين الساحلي ينقل قصّة من هذا الوزن. "بعدني ناطرة من 37 سنة انهم يرجعوا، كانو بتل الزعتر، أحمد وبلال ولادي اللي ما كمّلو العشرين، صحيح اني صرت ع حفّة قبري بس نفسي يشوفوني لحظة قبل ما موت، حتى إذا التقينا بالآخرة يعرفوني، انا كتير تغيرت من وقتها". وعلى الإيقاع نفسه، يحكي علي فخري قصة أمّ: "قالولها أخذناه نحقّق معو، كم ساعة وبيرجع عالبيت، ما تعطلي هم، كلها كم سؤال روتيني... كنت عم بكويله قميصه ... بعدو بيرجع ... والقميص بعدو معلق من ثلاثين سنة".
 
اللافت في القضية، أن نسبة التفاعل مع الحدث كانت مرتفعة جداً. بدأ ناشطون بكتابة عبارات متخيلة وبديهية ومنطقية، تروي الحال والمأساة. وتشير يارا خواجة في حديثها مع "المدن" الى "تفاعل عربي مع القضية، ظهر في مصر وسوريا وفلسطين". كبرت القضية مثل "كرة الثلج"، وخرج مدوّنون بأفكار مبتكرة، كتصميم "غرافيكس" جديدة. كما انضم أهالي المفقودين الى الكتابة، للمرة الأولى، "ما يظهر حجم الوعي للقضية ومقاربتها إنسانياً"، تختم خواجة. 
 
increase حجم الخط decrease